قوله : ١١٩ - ﴿ بشيرا ونذيرا ﴾ يحتمل أن يكون منصوبا على الحال ويحتمل أن يكون مفعولا له : أي أرسلناك لأجل التبشير والإنذار وقوله :﴿ ولا تسأل ﴾ قرأه الجمهور بالرفع مبنيا للمجهول : أي حال كونك غير مسؤول وقرئ بالرفع مبنيا للمعلوم قال الأخفش : ويكون في موضع الحال عطفا على ﴿ بشيرا ونذيرا ﴾ أي حال كونك غير سائل عنهم لأن علم الله بكفرهم بعد إنذارهم يغني عن سؤاله عنهم وقرأ نافع :﴿ ولا تسأل ﴾ بالجزم : أي لا يصدر منك السؤال عن هؤلاء أو لا يصدر منك السؤال عمن مات منهم على كفره ومعصيته تعظيما لحاله وتغليظا لشأنه : أي أن هذا أمر فظيع وخطب شنيع يتعاظم المتكلم أن يجريه على لسانه أو يتعاظم السامع أن يسمعه
قوله : ١٢٠ - ﴿ ولن ترضى عنك اليهود ﴾ الآية : أي ليس غرضهم ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات ويوردونه من التعنتات فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون وأجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم والملة : اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه وهكذا الشريعة ثم رد عليهم سبحانه فأمره بأن يقول لهم :﴿ إن هدى الله هو الهدى ﴾ الحقيقي لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة والكتب المحرفة ثم أتبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله إن اتبع أهواءهم وحاول رضاهم وأتعب نفسه في طلب ما يوافقهم ويحتمل أن يكون تعريضا لأمته وتحذيرا لهم أن يواقعوا شيئا من ذلك أو يدخلوا في أهوية أهل الملل ويطلبوا رضا أهل البدع وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب وتتصدع منه الأفئدة ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه والقائمين ببيان شرائعه ترك الدهان لأهل المتمذهبين بمذاهب السوء التاركين للعمل بالكتاب والسنة المؤثرين لمحض الراي عليهما فإن غالب هؤلاء وإن أظهر قبولا وأبان من أخلاقه لينا لا يرضيه إلا اتباع بدعته والدخول في مداخله والوقوع في خبائله فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه وسنة رسوله لا ما هم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة وجهالة بينة ورأي منهار وتقليد على شفا جرف هار فهو إذ ذاك ما له من الله من ولي ولا نصير ومن كان كذلك فهو مخذول لا محالة وهالك بلا شك ولا شبهة