الربا في اللغة : الزيادة مطلقا يقال ربا الشيء يربو : إذا زاد وفي الشرع يطلق على شيئين على ربا الفضل وربا النسيئة حسبما هو منفصل في كتب الفروع وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حل أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه : أتقضي أم تربي ؟ فإذا لم يقض زاد مقدارا في المال الذي وأخر له الأجل إلى حين وهذا حرام بالاتفاق وقياس كتابة الربا بالياء للكسرة في أوله وقد كتبوه في المصحف بالواو قال في الكشاف : على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع انتهى قلت : وهذا مجرد اصطلاح لا يلزم المشي عليه فإن هذه النقوش الكتابية أمور اصطلاحية لا يشاحح في مثلها إلا فيما كان يدل به منها على الحرف الذي كانه في أصل الكلمة ونحوه كما هو مقرر في مباحث الخط من علم الصرف وعلى كل حال فرسم الكلمة وجعل نقشها الكتابي على ما يقتضيه اللفظ بها هو الأولى فما كان في النطق ألفا كالصلاة والزكاة ونحوهما كان الأولى في رسمه أن يكون كذلك وكون أصل هذا الألف واوا أو ياء لا يخفى على من علم الصرف وهذه النقوش ليست إلا لفهم اللفظ الذي يدل على بها عليه كيف هو في نطق من ينطق به لا لتفهيم أن أصل الكلمة كذا مما لا يجري به النطق فاعرف هذا ولا تشتغل بما يعتبره كثير من أهل العلم في هذه النقوش ويلزمون به أنفسهم ويعيبون من خالفه فإن ذلك من المشاححة في الأمور الاصطلاحية التي لا تلزم أحدا أن يتقيد بها فعليك بأن ترسم هذه النقوش على ما يلفظ به اللافظ عند قراءتها فإنه الأمر المطلوب من وضعها والتواضع عليها وليس الأمر المطلوب منها أن تكون دالة على ما هو أصل الكلمة التي يتلفظ بها المتلفظ مما لا يجري في لفظه الآن فلا تغتر بما يروى عن سيبويه ونحاة البصرة أن يكتب الربا بالواو لأنه يقول في تثنيته ربوان وقال الكوفيون : يكتب بالياء وتثنيته ربيان قال الزجاج : ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع لا يكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئوا في التثنية وهم يقرأون ﴿ وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو ﴾ وليس المراد بقوله هنا : ٢٧٥ - ﴿ الذين يأكلون الربا ﴾ اختصاص هذا الوعيد بمن يأكله بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه ويعطيه وإنما خص الأكل لزيادة التشنيع على فاعله ولكونه هو الغرض الأهم فإن آخذ الربا إنما أخذه للأكل قوله :﴿ لا يقومون ﴾ أي يوم القيامة كما يدل عليه قراءة ابن مسعود ﴿ لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ﴾ أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وبهذا فسره جمهور المفسرين قالوا : إنه يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند أهل المحشر وقيل : إن المراد تشبيه من يحرص في تجارته فيجمع ماله من الربا بقيام المجنون لأن الحرص والطمع والرغبة في الجمع قد استفزته حتى صار شبيها في حركته بالمجنون كما يقال لمن يسرع في مشيه ويضطرب في حركاته : إنه قد جن ومنه قول الأعشى في ناقته :
( وتصبح من غب السرى وكأنها | ألم بها من طائف الجن أولق ) |