قوله : ٥ - ﴿ إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ﴾ هذه الجملة استئنافية لبيان سعة علمه وإحاطته بالمعلومات وعبر عن معلوماته بما في الأرض والسماء مع كونها أوسع من ذلك لقصور عباده عن العلم بما سواهما من أمكنة مخلوقاته وسائر معلوماته ومن جملة ما لا يخفى عليه إيمان من آمن من خلقه وكفر من كفر
قوله : ٦ - ﴿ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ أصل اشتقاق الصورة من صاره إلى كذا أي أماله إليه فالصورة مائلة على بيان إحاطة علمه وأن من جملة معلوماته ما لا يدخل تحت الوجود وهو تصوير عباده في أحام أمهاتهم من نطف آبائهم كيف يشاء من حسن وقبيح وأسود وأبيض وطويل وقصير وكيف معمول يشاء والجملة حالية
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن جعفر بن محمد بن الزبير قال :[ قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد نجران ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم فكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب وعبد المسيح والسيد وهو الأيهم ثم ذكروا القصة في الكلام الذي دار بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن الله أنزل في ذلك صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع فذكر وفد نجران ومخاصمتهم للنبي صلى الله عليه و سلم في عيسى عليه السلام وأن الله أنزل ﴿ الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم ﴾ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ مصدقا لما بين يديه ﴾ قال : لما قبله من كتاب أو رسول وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وقال في قوله :﴿ وأنزل الفرقان ﴾ هو القرآن فرق بين الحق والباطل فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه وشرع فيه شرائعه وحد فيه حدوده وفرض فيه فرائضه : وبين فيه بيانه وأمر بطاعته ونهي عن معصيته وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله :﴿ وأنزل الفرقان ﴾ أي : الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره وفي قوله :﴿ إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ﴾ أي : إن الله ينتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها وفي قوله :﴿ إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ﴾ أي : قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى إذ جعلوه ربا وآلها وعندهم من علمه غير ذلك غرة بالله وكفرا به ﴿ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صور غيره من بني آدم فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله :﴿ يصوركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ قال : ذكورا وإناثا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في قوله :﴿ يصوركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ قال : إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوما ثم تكون علقة أربعين يوما ثم تكون مضغة أربعين يوما فإذا بلغ أن يخلق بعث الله ملكا يصورها فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلط منه المضغة ثم يعجنه بها يصور كما يؤمر فيقول : أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد وما رزقه وما عمره وما أثره وما مصائبه ؟ فيقول الله ويكتب الملك فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ يصوركم في الأرحام كيف يشاء ﴾ قال : من ذكر أو أنثى وأحمر وأسود وتام الخلق وغير تام الخلق
قوله ١٧ - ﴿ والمستغفرين بالأسحار ﴾ هم السائلون للمغفرة بالأسحار وقيل المصلون والأسحار جمع سحر بفتح الحاء وسكونها قال الزجاج : هو من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر وخص الأسحار لأنها من أوقات الإجابة
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب لما نزلت ﴿ زين للناس حب الشهوات ﴾ قال : الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت ﴿ قل أؤنبئكم ﴾ وأخرجه ابن المنذر عنه بلفظ خير انتهى إلى قوله ﴿ قل أؤنبئكم بخير ﴾ فبكى وقال : بعد ماذا بعد ماذا بعد ما زينتها وأخرج أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ القنطار اثنا عشر ألف أوقية ] رواه أحمد من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد عن عاصم عن أبي صالح عنه ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الصمد به وقد رواه ابن جرير موقوفا على أبي هريرة قال ابن كثير : وهذا أصح وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القناطير المقنطرة فقال :[ القنطار ألف أوقية ] ورواه ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه مرفوعا بلفظ ألف دينار وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية ] وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من قول معاذ بن جبل وأخرجه ابن جرير من قوله ابن عمر وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي من قول أبي هريرة وأخرجه ابن جرير والبيهقي من قول ابن عباس وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : القنطار ملء مسك جلد الثور ذهبا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قال : القنطار سبعون ألفا وأخرجه عبد بن حميد عن مجاهد وأخرج أيضا عن سعيد بن المسيب قال : القنطار ثمانون ألفا وأخرج أيضا عن أبي صالح قال : القنطار مائة رطل وأخرجه أيضا عن قتادة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال : القنطار خمسة عشر ألف مثقال والمثقال أربعة وعشرون قيراطا وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : هو المال الكثير من الذهب والفضة وأخرجه أيضا عن الربيع وأخرج عن السدي أن المقنطرة المضروبة وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ والخيل المسومة ﴾ قال : الراعية وأخرج ابن المنذر عنه من طريق مجاهد وأخرج ابن جرير عنه قال : هي الراعية والمطهمة الحسان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : هي المطهمة الحسان وأخرجا عن عكرمة قال : تسويمها حسنها وأخرج ابن أبي حاتم قال :﴿ الخيل المسومة ﴾ الغرة والتحجيل وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله الصابرين قال : قوم صبروا على طاعة الله وصبروا عن محارمه والصادقون قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم وصدقوا في السر والعلانية والقانتون هم المطيعون والمستغفرون بالأسحار أهل الصلاة وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبي شيبة قال : هم الذين يشهدون صلاة الصبح وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة وأخرج ابن جرير وأحمد في الزهد عن سعيد الجريري قال : بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل فقال : يا جبريل أي الليل أفضل ؟ قال : يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له ؟ ]