قوله ٢٨ - ﴿ لا يتخذ ﴾ فيه النهي للمؤمنين عن موالاة الكفار لسبب من الأسباب ومثله قوله تعالى ﴿ لا تتخذوا بطانة من دونكم ﴾ الآية وقوله ﴿ ومن يتولهم منكم فإنه منهم ﴾ وقوله ﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله ﴾ الآية وقوله ﴿ لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ﴾ وقوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ﴾ وقوله ﴿ من دون المؤمنين ﴾ في محل الحال : أي متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالا أو اشتراكا والإشارة بقوله ﴿ ومن يفعل ذلك ﴾ إلى الاتحاد المدلول عليه بقوله ﴿ لا يتخذ ﴾ ومعنى قوله ﴿ فليس من الله في شيء ﴾ أي : من ولايته في شيء من الأشياء بل هو منسلخ عنه بكل حال قوله ﴿ إلا أن تتقوا منهم تقاة ﴾ على صيغة الخطاب بطريق الإلتفات : أي لا أن تخافوا منهم أمرا يجب اتقاؤه وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال وتقاة مصدر واقع موقع المفعول وأصلها وقية على وزن فعلة قلبت الواو تاء والياء ألفا وقرأ رجاء وقتادة تقية وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم ولكنها تكون ظاهرا لا باطنا وخالف في ذلك قوم من السلف فقالوا : لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام قوله ﴿ ويحذركم الله نفسه ﴾ أي ذاته المقدسة وإطلاق ذلك عليه سبحانه جائز في المشاكلة كقوله ﴿ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ﴾ وفي غيرها وذهب بعض المتأخرين إلى منع ذلك إلا مشاكلة وقال الزجاج : معناه ويحذركم الله إياه ثم استغنوا عن ذلك بهذا وصار المستعمل قال : وأما قوله ﴿ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ﴾ فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك وقال بعض أهل العلم : معناه ويحذركم الله عقابه مثل ﴿ واسأل القرية ﴾ فجعلت النفس في موضع الإضمار وفي هذه الآية تهديد شديد وتخويف عظيم لعباده أن يتعرضوا لعقابه بموالاة أعدائه أأأعلم
قوله ٢٩ - ﴿ قل إن تخفوا ما في صدوركم ﴾ الآية فيه أن كل ما يضمره العبد ويخفيه أو يظهره ويبديه فهو معلوم لله سبحانه لا يخفى عليه منه شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة ﴿ ويعلم ما في السموات وما في الأرض ﴾ مما هو أعم من الأمور التي يخفونها أو يبدونها فلا يخفى عليه ما هو أخص من ذلك