لما ادعت كل واحدة من طائفتي اليهود والنصارى أن إبراهيم عليه السلام كان على دينهم رد الله سبحانه ذلك عليهم وأبان بأن الملة اليهودية والملة النصرانية إنما كانتا من بعده قال الزجاج : هذه الآية أبين حجة على اليهود والنصارى أن التوراة والإنجيل نزلا من بعده وليس فيهما اسم لواحد من الأديان واسم الإسلام في كل كتاب انتهى وفيه نظر فإن الإنجيل مشحون بالآيات من التوراة وذكر شريعة موسى والاحتجاج بها على اليهود وكذلك الزبور فيه في مواضع ذكر شريعة موسى وفي أوائله التبشير بعيسى ثم في التوراة ذكر كثير من الشرائع المتقدمة يعرف هذا كل من عرف هذه الكتب المنزلة وقد اختلف في قدر المدة التي بين إبراهيم وموسى والمدة التي بين موسى وعيسى قال القرطبي : يقال كان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفا سنة وكذا في الكشاف قوله ٦٥ - ﴿ أفلا تعقلون ﴾ أي : تتفكرون في دحوض حجتكم وبطلان قولكم
قوله ﴿ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ﴾ الأصل في ها أنتم أأنتم أبدلت الهمزة الأولى هاء لأنها أختها كذا قال أبو عمرو بن العلاء والأخفش قال النحاس : وهذا قول حسن وقرأ قنبل ﴿ ها أنتم ﴾ وقيل : الهاء للتنبيه دخلت على الجملة التي بعدها : أي ها أنتم هؤلاء الرجال الحمقى حاججتم وفي هؤلاء لغتان المد والقصر والمراد بما لهم به علم هو ما كان في التوراة وإن خالفوا مقتضاه وجادلوا فيه بالباطل والذي لا علم لهم به هو زعمهم أن إبراهيم كان على دينهم لجهلهم بالزمن الذي كان فيه وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحق كما في حديث [ من ترك المراء ولو محقا فأنا ضمينه على الله يبيت في ربض الجنة ] وقد ورد تسويغ الجدال بالتي هي أحسن لقوله تعالى ﴿ وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ ﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ﴾ ونحو ذلك فينبغي أن يقصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة أو على المواطن التي المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة قوله ﴿ والله يعلم ﴾ أي كل شيء فيدخل في ذلك ما حاججوا به