والسراء : اليسر والضراء : العسر وقد تقدم تفسيرهما - وقيل السراء : الرخاء والضراء : الشدة وهو مثل الأول وقيل : السراء في الحياة والضراء بعد الموت قوله ١٣٤ - ﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ يقال كظم غيظه : أي سكت عليه ولم يظهره ومنه كظمت السقاء : أي ملأته والكظامة : ما يسد به مجرى الماء وكظم البعير جرته : إذا ردها في جوفه وهو عطف على الموصول الذي قبله قوله ﴿ والعافين عن الناس ﴾ أي : التاركين عقوبة من أذنب إليهم واستحق المؤاخذة وذلك من أجل ضروب الخير وظاهره العفو عن الناس سواء كانوا من المماليك أم لا وقال الزجاج وغيره : المراد بهم المماليك واللام في المحسنين يجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه كل محسن من هؤلاء وغيرهم ويجوز أن تكون للعهد فيختص بهؤلاء والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السياق فيدخل تحته كل من صدر منه مسمى الإحسان : أي إحسان كان
قوله ١٣٥ - ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة ﴾ هذا مبتدأ وخبره ﴿ أولئك ﴾ وقيل : معطوف على المتقين والأول أولى وهؤلاء هم صنف دون الصنف الأول ملحقين بهم وهم التوابون وسيأتي ذكر سبب نزولها والفاحشة وصف لموصوف محذوف : أي فعلة فاحشة وهي تطلق على كل معصية وقد كثر اختصاصها بالزنا وقوله ﴿ أو ظلموا أنفسهم ﴾ أي : باقتراف ذنب من الذنوب وقيل : أو بمعنى الواو والمراد ما ذكر وقيل : الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة وقيل غير ذلك قوله ﴿ ذكروا الله ﴾ أي : بألسنتهم أو أخطروه في قلوبهم أو ذكروا وعده ووعيده ﴿ فاستغفروا لذنوبهم ﴾ أي : طلبوا المغفرة لها من الله سبحانه وتفسيره بالتوبة خلاف معناه لغة وفي الاستفهام بقوله ﴿ ومن يغفر الذنوب إلا الله ﴾ من الإنكار مع ما يتضمنه من الدلالة على أنه المختص بذلك سبحانه دون غيره : أي لا يغفر جنس الذنوب أحد إلا الله وفيه ترغيب لطلب المغفرة منه سبحانه وتنشيط للمذنبين أن يقفوا في مواقف الخضوع والتذلل وهذه الجملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه وقوله ﴿ ولم يصروا على ما فعلوا ﴾ عطف على فاستغفروا : أي لم يقيموا على قبيح فعلهم وقد تقدم تفسير الإصرار والمراد به هنا العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه وقوله ﴿ وهم يعلمون ﴾ جملة حالية : أي لم يصروا على فعلهم عالمين بقبحه
قوله ﴿ أولئك جزاؤهم ﴾ الإشارة إلى المذكورين بقوله ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة ﴾ وقوله ﴿ جزاؤهم ﴾ بدل اشتمال من اسم الإشارة وقوله ﴿ مغفرة ﴾ خبر ﴿ من ربهم ﴾ متعلق بمحذوف وقع صفة لمغفرة : أي كائنة من ربهم وقوله ﴿ ونعم أجر العاملين ﴾ المخصوص بالمدح محذوف : أي أجرهم أو ذلك المذكور وقد تقدم تفسير الجنات وكيفية جري الأنهار من تحتها
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد : قال : كانوا يتبايعون إلى الأجل فإذا جاء الأجل زادوا عليهم وزادوا في الأجل فنزلت ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ﴾ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال : كانت ثقيف تدين بني المغيرة في الجاهلية وذكر نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاوية بن قرة قال : كان الناس يتأولون هذه الآية ﴿ واتقوا النار التي أعدت للكافرين ﴾ اتقوا لا أعذبكم بذنوبكم في النار التي أعددتها للكافرين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح قال : قال المسلمون : يا رسول الله أبنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا ؟ كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجدع أنفك اجدع أذنك افعل كذا وكذا فسكت النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت ﴿ وسارعوا ﴾ الآية وأخرج ابن المنذر عن أنس بن مالك في تفسير ﴿ وسارعوا ﴾ قال : التكبيرة الأولى وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن إبن عباس في قوله ﴿ عرضها السماوات والأرض ﴾ مثل ما ذكرناه سابقا عن الجمهور وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق كريب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ الذين ينفقون في السراء والضراء ﴾ يقول : في اليسر والعسر ﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ يقول : كاظمين على الغيظ : وقد وردت أحاديث كثيرة في ثواب من كظم الغيظ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن النخعي في الآية قال : الظلم من الفاحشة والفاحشة من الظلم وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والطبراني وابن أبي الدنيا وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال : إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة ﴾ الآية وقوله ﴿ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ﴾ الآية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ثابت البناتي قال : بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة ﴾ الآية وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاف بن خالد قال : بلغني أنه لما نزل قوله تعالى ﴿ ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا ﴾ صاح إبليس بجنوده وحثا على رأسه التراب ودعا بالويل والثبور حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر فقالوا : مالك يا سيدنا ؟ قال : آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحدا من بني آدم ذنب قالوا : وما هي ؟ فأخبرهم قالوا : نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون ولا يرون إلا أنهم على الحق فرضي منهم بذلك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحميدي وعبد بن حميد وأهل السنن الأربع وحسنه النسائي وابن حبان والدارقطني في الإفراد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة عن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة ﴾ الآية ] وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن مرفوعا نحوه ولكنه قال : ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة ] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ ولم يصروا ﴾ فيسكتون ولا يستغفرون وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ﴿ ونعم أجر العاملين ﴾ قال : أجر العاملين بطاعة الله الجنة