قوله ١٣٩ - ﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا ﴾ عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز والفشل ثم بين لهم أنهم الأعلون على عدوهم بالنصر والظفر وهي جملة حالية : أي والحال أنكم الأعلون عليهم وعلى غيرهم بعد هذه الوقعة وقد صدق الله وعده فإن النبي صلى الله عليه و سلم بعد وقعة أحد ظفر بعدوه في جميع وقعاته وقيل المعنى : وأنتم الأعلون عليهم بما أصبتم منهم في يوم بدر فإنه أكثر مما أصابوا منكم اليوم وقوله ﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ متعلق بقوله ﴿ ولا تهنوا ﴾ وما بعده أو بقوله ﴿ وأنتم الأعلون ﴾ أي : إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا أو إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون
والقرح بالضم والفتح : الجرح وهما لغتان فيه قاله الكسائي والأخفش وقال الفراء : هو بالفتح الجرح وبالضم ألمه وقرأ محمد بن السميفع قرح بفتح القاف والراء على المصدر والمعنى في الآية : إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر فلا تهنوا لما أصابكم في هذا اليوم فإنهم لم يهنوا لما أصابهم في ذلك اليوم وأنتم أولى بالصبر منهم وقيل : إن المراد بما أصاب المؤمنين والكافرين في هذا اليوم فإن المسلمين انتصروا عليهم في الابتداء فأصابوا منهم جماعة ثم انتصر الكفار عليهم فأصابوا منهم والأول أولى لأن ما أصابه المسلمون من الكفار في هذا اليوم لم يكن مثل ما أصابوه منهم فيه وقوله ﴿ وتلك الأيام ﴾ أي : الكائنة بين الأمم في حروبها والآتية فيما بعد كالأيام الكائنة في زمن النبوة تارة تغلب هذه الطائفة وتارة تغلب الأخرى كما وقع لكم أيها المسلمون في يوم بدر وأحد وهو معنى قوله ﴿ نداولها بين الناس ﴾ فقوله ﴿ تلك ﴾ مبتدأ والأيام صفته والخبر نداولها وأصل المداولة المعاورة : داولته بينهم عاورته والدولة : الكرة ويجوز أن تكون الأيام خبرا ونداولها حالا والأول أولى وقوله ﴿ وليعلم الله ﴾ معطوف على علة مقدرة كأنه قال : نداولها بين الناس ليظهر أمركم وليعلم أو يكون المعلل محذوفا : أي ليعلم الله الذين اتقوا فعلنا ذلك وهو من باب التمثيل : أي فعلنا فعل من يريد أن يعلم لأنه سبحانه لم يزل عالما أو ليعلم الله الذين آمنوا بصبرهم علما يقع عليه الجزاء كما علمه علما أزليا ﴿ ويتخذ منكم شهداء ﴾ أي : يكرمهم بالشهادة والشهداء جمع شهيد سمي بذلك لكونه مشهودا له بالجنة أو جمع شاهد لكونه كالمشاهد للجنة ومن للتبعيض وهم شهداء أحد وقوله ﴿ والله لا يحب الظالمين ﴾ جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير مضمون ما قبله
وقوله ١٤١ - ﴿ وليمحص الله الذين آمنوا ﴾ من جملة العلل معطوف على ما قبله والتمحيص : الاختبار وقيل : التطهير على حذف مضاف : أي ليمحص ذنوب الذين آمنوا قاله الفراء وقيل : يمحص يخلص قاله الخليل والزجاج : أي ليخلص المؤمنين من ذنوبهم وقوله ﴿ ويمحق الكافرين ﴾ أي يستأصلهم بالهلاك وأصل التمحيق محو الآثار والمحق نقسها