قوله ١٦١ - ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ أي : ما صح له ذلك لتنافي الغلول والنبوة قال أبو عبيد : الغلول من المغنم خاصة ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغل يغل ومن الحقد غل يغل بالكسر ومن الغلول غل يغل بالضم يقال : غل المغنم غلولا : أي خان بأن يأخذ لنفسه شيئا يسترده على أصحابه فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل : ما صح لنبي أن يخون شيئا من المغنم فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول : ما صح لنبي أن يغله أحد من أصحابه : أي يخونه في الغنيمة وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم وإنما خص خيانة الأنبياء مع كون خيانة غيرهم من الأئمة والسلاطين والأمراء حراما لأن خيانة الأنبياء أشد ذنبا وأعظم وزرا ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ﴾ أي : يأت به حاملا له على ظهره كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم فيفضحه بين الخلائق وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له قبل أن يحاسب وافيا من خير وشر وهذه الآية تعم كل من كسب خيرا أو شرا ويدخل تحتها الغال دخولا أوليا لكون السياق فيه
قوله ١٦٢ - ﴿ أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ﴾ الاستفهام للإنكار : أي ليس من اتبع رضوان الله في أوامره ونواهيه فعمل بأمره واجتنب نهيه كمن باء : أي رجع بسخط عظيم كائن من الله بسبب مخالفته لما أمر به ونهى عنه ويدخل تحت ذلك من اتبع رضوان الله بترك الغلول واجتنابه ومن باء بسخط من الله بسبب إقدامه على الغلول
ثم أوضح ما بين الطائفتين من التفاوت فقال ١٦٣ - ﴿ هم درجات عند الله ﴾ أي : متفاوتون في الدرجات والمعنى : هم ذوو درجات أو لهم درجات فدرجات من اتبع رضوان الله ليست كدرجات من باء بسخط من الله فإن الأولين في أرفع الدرجات والآخرين في أسفلها
قوله ١٦٤ - ﴿ لقد من الله على المؤمنين ﴾ جواب قسم محذوف وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثته ومعنى ﴿ من أنفسهم ﴾ أنه عربي مثلهم وقيل : بشر مثلهم ووجه المنة على الأول : أنهم يفقهون عنه ويفهمون كلامه ولا يحتاجون إلى ترجمان ومعناها على الثاني : أنهم يأنسون به بجامع البشرية ولو كان ملكا لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية وقرئ ﴿ من أنفسهم ﴾ بفتح الفاء : أي من أشرفهم لأنه من بني هاشم وبنو هاشم أفضل قريش وقريش أفضل العرب والعرب أفضل من غيرهم ولعل وجه الامتنان على هذه القراءة أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأول وأما على الوجه الثاني فلا حاجة إلى هذا التخصيص وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص لأن بني هاشم هم أنفس العرب والعجم في شرف الأصل وكرم النجار ورفاعة المحتد ويدل على الوجه الأول قوله تعالى ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ﴾ وقوله ﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ قوله ﴿ يتلو عليهم آياته ﴾ هذه منة ثانية أي : يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئا من الشرائع ﴿ ويزكيهم ﴾ أي : يطهرهم من نجاسة الكفر وهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى وهما في محل نصب على الحال أو صفة لرسول وهكذا قوله ﴿ ويعلمهم الكتاب ﴾ والمراد بالكتاب هنا القرآن والحكمة : السنة وقد تقدم في البقرة تفسير ذلك ﴿ وإن كانوا من قبل ﴾ أي : من قبل محمد أو من قبل بعثته ﴿ لفي ضلال مبين ﴾ أي : واضح لا ريب فيه واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة وبين النافية فهي تدخل في خبر المخففة لا النافية واسمها ضمير الشأن أي : وإن الشأن والحديث وقيل : إنها النافية واللام بمعنى إلا : أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين وبه قال الكوفيون والجملة على التقديرين في محل نصب على الحال
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى ﴿ وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض ﴾ الآية قال : هذا قول عبد الله بن أبي سلول والمنافقين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ﴾ قال : يحزنهم قولهم ولا ينفعهم شيئا وأخرجوا عن قتادة في قوله ﴿ فبما رحمة من الله ﴾ يقول : فبرحمة من الله ﴿ لنت لهم ﴾ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ﴿ لانفضوا من حولك ﴾ قال : لانصرفوا عنك وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس : قال لما نزلت ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن الله جعلها رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدهم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا ] وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ قال : أبو بكر وعمر وأخرج ابن مردويه عن علي قال :[ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن العزم فقال : مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم ] وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس : لعل رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذها فنزلت وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس ﴿ وما كان لنبي أن يغل ﴾ قال : ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه وقد ورد في تحريم الغلول أحاديث كثيرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ﴿ هم درجات عند الله ﴾ يقول : بأعمالهم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في قوله ﴿ لقد من الله على المؤمنين ﴾ الآية قالت : هذه للعرب خاصة


الصفحة التالية
Icon