والإشارة بقوله ١٣ - ﴿ تلك ﴾ إلى الأحكام المتقدمة وسماها حدودا لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها ﴿ ومن يطع الله ورسوله ﴾ في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام الشرعية كما يفيده عموم اللفظ ﴿ يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾
وهكذا قوله ١٤ - ﴿ ومن يعص الله ورسوله ﴾ قرأ نافع وابن عامر ﴿ ندخله ﴾ بالنون وقرأ الباقون بالياء التحتية قوله ﴿ وله عذاب مهين ﴾ أي : وله بعد إدخاله النار عذاب لا يعرف كنهه
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت وقد قدمنا أن سبب النزول سؤال امرأة سعد بن الربيع وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها أم كحة وترك خمس جوار فأخذ الورثة ماله فشكت ذلك أم كحة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأنزل الله هذه الآية ﴿ فإن كن نساء فوق اثنتين ﴾ ثم قال في أم كحة :﴿ ولهن الربع مما تركتم ﴾ وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود قال : كان عمر بن الخطاب إذا سلك بنا طريقا فاتبعناه وجدناه سهلا وأنه سئل عن امرأة وأبوين فقال للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي وما بقي فللأب وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت نحوه وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال : إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال الله ﴿ فإن كان له إخوة ﴾ والأخوان ليسا بلسان قومك إخوة فقال عثمان : لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتواريث به الناس وأخرج الحاكم والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت أنه قال : إن العرب تسمي الأخوين إخوة وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الجارود والدارقطني والبيهقي في سننه عن علي قال : إنكم تقرأون هذه الآية ﴿ من بعد وصية يوصي بها أو دين ﴾ وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ﴾ يقول : أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة عند الله يوم القيامة لأن الله سبحانه شفع للمؤمنين بعضهم في بعض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ﴿ أقرب لكم نفعا ﴾ قال : في الدنيا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقرأ ﴿ وله أخ أو أخت ﴾ وأخرج البيهقي عن الشعبي قال : ما ورث أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الإخوة من الأم مع الجد شيئا قط وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : قضى عمر أن ميراث الأخوة لأم بينهم للذكر مثل الأنثى قال : ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علمه من رسول الله ولهذه الآية التي قال الله ﴿ فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال : الإضرار في الوصية من الكبائر ثم قرأ ﴿ غير مضار ﴾ وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عنه مرفوعا وفي إسناده عمر بن المغيرة أبو حفص المصيصي قال أبو القاسم بن عساكر : ويعرف بمفتي المساكين وروى عنه غير واحد من الأئمة قال فيه أبو حاتم الرازي : هو شيخ قال : وعلي بن المديني : هو مجهول لا أعرفه قال ابن جرير : والصحيح الموقوف انتهى ورجال إسناد هذا الموقوف رجال الصحيح فإن النسائي رواه في سننه عن علي بن حجر عن علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عنه وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه واللفظ له والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعون سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة ] ثم يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم ﴿ تلك حدود الله ﴾ إلى قوله ﴿ عذاب مهين ﴾ وفي إسناده شهر بن حوشب وفيه مقال معروف وأخرج ابن ماجه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ من قطع ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة ] وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور عن سليمان بن موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر نحوه وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص [ أن النبي صلى الله عليه و سلم أتاه يعوده في مرضه فقال : إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بالثلثين ؟ فقال : لا قال : فالشطر ؟ قال : لا قال : فالثلث ؟ قال : الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ] وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال : إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم : يعني الوصية وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ الثلث كثير ] وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : ذكر عند عمر الثلث في الوصية فقال : الثلث وسط لا بخس ولا شطط وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث ومن أوصى بالثلث لم يترك
فائدة ورد في الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها ما أخرجه الحاكم والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يقضي بها ] وأخرجاه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم وإنه ينسى وهو أول ما ينزع من أمتي ] وقد روي عن عمر وابن مسعود وأنس آثار في الترغيب في الفرائض وكذلك روي عن جماعة من التابعين ومن بعدهم