قوله ٢٨ - ﴿ يريد الله أن يخفف عنكم ﴾ بما مر من الترخيص لكم أو بكل ما فيه تخفيف عليكم ﴿ وخلق الإنسان ضعيفا ﴾ عاجزا غير قادر على ملك نفسه ودفعها عن شهواتها وفاء بحق التكليف فهو محتاج من هذه الحيثية إلى التخفيف فلهذا أراد الله سبحانه التخفيف عنه
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع ثم قرأ ﴿ حرمت عليكم أمهاتكم ﴾ إلى قوله ﴿ وبنات الأخت ﴾ هذا من النسب وباقي الآية من الصهر والسابعة ﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن عمران بن حصين في قوله ﴿ وأمهات نسائكم ﴾ قال : هي مبهمة وأخرج هؤلاء عن ابن عباس قال : هي مبهمة إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها وأخرج هؤلاء إلا البيهقي عن علي في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها هل تحل له أمها ؟ قال : هي بمنزلة الربيبة وأخرج هؤلاء عن زيد بن ثابت أنه كان يقول : إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال في قوله ﴿ وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم ﴾ أريد بهما الدخول جميعا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير قال : الربيبة والأم سواء لا بأس بهما إذا لم يدخل بالمرأة وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي فوجدت عليها فلقيني علي بن أبي طالب فقال : ما لك ؟ فقلت : توفيت المرأة فقال علي : لها ابنة ؟ قلت : نعم وهي بالطائف قال : كانت في حجرك ؟ قلت : لا قال : فانكحها قلت : فأين قول الله ﴿ وربائبكم اللاتي في حجوركم ﴾ ؟ قال : إنها لم تكن في حجرك
وقد قدمنا قول من قال : إنه إسناد ثابت على شرط مسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : الدخول الجماع وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء قال : كنا نتحدث أن محمدا صلى الله عليه و سلم لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك فأنزل الله :﴿ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ﴾ ونزلت ﴿ وما جعل أدعياءكم أبناءكم ﴾ ونزلت ﴿ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ﴾ وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ﴿ وأن تجمعوا بين الأختين ﴾ قال : يعني في النكاح وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال : ذلك في الحرائر فأما المماليك فلا بأس وأخرج ابن المنذر عنه نحوه من طريق أخرى وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عثمان بن عفان : أن رجلا سأله عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما ؟ قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية وما كنت لأصنع ذلك فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أراه علي بن أبي طالب فسأله عن ذلك فقال : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن علي : أنه سئل عن رجل له أمتان أختان وطئ إحداهما وأراد أن يطأ الأخرى فقال : لا حتى يخرجها من ملكه وقيل : فإن زوجها عبده ؟ قال : لا حتى يخرجها من ملكه وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود : أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين الأمتين فكرهه فقيل يقول الله ﴿ إلا ما ملكت أيمانكم ﴾ فقال : وبعيرك أيضا مما ملكت يمينك وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق أبي صالح عن علي بن أبي طالب قال في الأختين المملوكتين : أحلتهما آية وحرمتهما آية ولا آمر ولا أنهي ولا أحل ولا أحرم ولا أفعل أنا وأهل بيتي وأخرج أحمد عن قيس قال : قلت لابن عباس : أيقع الرجل على المرأة وابنتها مملوكتين له ؟ فقال : أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عنه في الأختين من ملك اليمين : أحلتهما آية وحرمتهما آية وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عمر قال : إذا كان للرجل جاريتان أختان فغشي إحداهما فلا يقرب الأخرى حتى يخرج التي غشي من ملكه وأخرج البيهقي عن مقاتل بن سليمان قال : إنما قال الله في نساء الآباء ﴿ إلا ما قد سلف ﴾ لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء ثم حرم النسب والصهر فلم يقل إلا ما قد سلف لأن العرب كانت لا تنكح النسب والصهر وقال في الأختين ﴿ إلا ما قد سلف ﴾ لأنهم كانوا يجمعون بينهما فحرم جمعهما جميعا إلا ما قد سلف قبل التحريم ﴿ إن الله كان غفورا رحيما ﴾ لما كان من جماع الأختين قبل التحريم وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث يوم حنين جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك ﴿ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ﴾ يقول : إلا ما أفاء الله عليكم وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن ذلك سبب نزول الآية وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس في قوله ﴿ والمحصنات من النساء ﴾ قال : كل ذات زوج إتيانها زنا إلا ما سبيت وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة والطبراني عن علي وابن مسعود في قوله
﴿ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ﴾ قال : على المشركات إذا سبين حلت له وقال ابن مسعود : المشركات والمسلمات وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ والمحصنات من النساء ﴾ قال : ذوات الأزواج وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس بن مالك مثله وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ﴿ والمحصنات ﴾ قال : العفيفة العاقلة من مسلمة أو من أهل الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه في الآية قال : لا يحل له أن يتزوج فوق الأربع فما زاد فهو عليه حرام كأمه وأخته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله ﴿ والمحصنات من النساء ﴾ قال : يقول انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ثم حرم ما حرم من النسب والصهر ثم قال ﴿ والمحصنات من النساء ﴾ فرجع إلى أول السورة فقال : هن حرام أيضا إلا لمن نكح بصداق وسنة وشهود وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير عن عبيدة قال : أحل الله لك أربعا في أول السورة وحرم نكاح كل محصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم :[ الإحصان إحصانان : إحصان نكاح وإحصان عفاف ] فمن قرأها والمحصنات بكسر الصاد فهن العفائف ومن قرأها والمحصنات بالفتح فهن المتزوجات قال ابن أبي حاتم : قال أبي هذا حديث منكر وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ وأحل لكم ما وراء ذلكم ﴾ قال : ما وراء هذا النسب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : ما دون الأربع وأخرج ابن جرير عن عطاء قال : ما وراء ذات القرابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ وأحل لكم ما وراء ذلكم ﴾ قال : ما ملكت أيمانكم وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ محصنين غير مسافحين ﴾ قال : غير زانين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ وآتوهن أجورهن ﴾ يقول : إذا تزوج الرجل منكم المرأة ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله والاستمتاع هو النكاح وهو قوله ﴿ وآتوا النساء صدقاتهن ﴾ وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرأون هذه الآية فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى الآية فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته ليحفظ متاعه ويصلح شأنه حتى نزلت هذه الآية ﴿ حرمت عليكم أمهاتكم ﴾ فنسخت الأولى فحرمت المتعة وتصديقها من القرآن ﴿ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ﴾ وما سوى هذا الفرج فهو حرام
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه أن ابن عباس قرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي بن كعب أنه قرأها كذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أن هذه الآية في نكاح المتعة وكذلك أخرج ابن جرير عن السدي والأحاديث في تحليل المتعة ثم تحريمها وهل كان نسخها مرة أو مرتين ؟ مذكورة في كتب الحديث وقد أخرج ابن جرير في تهذيبه وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : ماذا صنعت ذهبت الركاب بفتياك وقالت فيها الشعراء قال : وما قالوا ؟ قلت : قالوا :

( أقول للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس )
( هل لك في رخصة الأعطاف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس )
فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون لا والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللتها إلا للمضطر وفي لفظ ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير وأخرج ابن جرير عن حضرمي أن رجالا كانوا يفرضون المهر ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة فقال الله ﴿ ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ﴾ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به ﴾ قال : الراضي أن يوفي لها صداقها ثم يخيرها وأخرج ابن جرير عن زيد في الآية قال : إن وضعت لك منه شيئا فهو سائغ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس ﴿ ومن لم يستطع منكم طولا ﴾ يقول : من لم يكن له سعة ﴿ أن ينكح المحصنات ﴾ يقول الحرائر :﴿ فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ﴾ فلينكح من إماء المؤمنين ﴿ محصنات غير مسافحات ﴾ يعني عفائف غير زواني في سر ولا علانية ﴿ ولا متخذات أخدان ﴾ يعني أخلاء ﴿ فإذا أحصن ﴾ ثم إذا تزوجت حرا ثم زنت ﴿ فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾ قال : من الجلد ﴿ ذلك لمن خشي العنت منكم ﴾ هو الزنا فليس لأحد من الأحرار أن ينكح الأمة إلا أن لا يقدر على حرة وهو يخشى العنت ﴿ وأن تصبروا ﴾ عن نكاح الإماء ﴿ فهو خير لكم ﴾ وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد ﴿ ومن لم يستطع منكم طولا ﴾ يعني : من لا يجد منكم غنى ﴿ أن ينكح المحصنات ﴾ يعني الحرائر فلينكح الأمة المؤمنة ﴿ وأن تصبروا ﴾ عن نكاح الإماء ﴿ خير لكم ﴾ وهو حلال وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه قال : مما وسع الله به على هذه الأمة نكاح الأمة النصرانية واليهودية وإن كان موسرا وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عنه قال : لا يصلح نكاح إماء أهل الكتاب لأن الله يقول ﴿ من فتياتكم المؤمنات ﴾ وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن الحسن [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة والحرة على الأمة ومن وجد طولا لحرة فلا ينكح أمة ] وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس قال : لا يتزوج الحر من الإماء إلا واحدة وأخرج ابن أبي شيبة عن قتاد


الصفحة التالية
Icon