قوله ٣٢ - ﴿ ولا تتمنوا ﴾ التمني نوع من الإرادة يتعلق بالمستقبل كالتلهف نوع منها يتعلق بالماضي وفيه النهي عن أن يتمنى الإنسان ما فضل الله به غيره من الناس عليه فإن ذلك نوع من عدم الرضا بالقسمة التي قسمها الله بين عباده على مقتضى إرادته وحكمته البالغة وفيه أيضا نوع من الحسد المنهي عنه إذا صحبه إرادة زوال تلك النعمة عن الغير
وقد اختلف العلماء في الغبطة هل تجوز أم لا ؟ وهي أن يتمنى أن يكون به حال مثل حال صاحبه من دون أن يتمنى زوال ذلك الحال عن صاحبه فذهب الجمهور إلى جواز ذلك واستدلوا بالحديث الصحيح [ لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الله وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ] وقد بوب عليه البخاري باب الاغتباط في العلم والحكم وعموم لفظ الآية يقتضي تحريم تمني ما وقع به التفضيل سواء كان مصحوبا بما يصير به من جنس الحسد أم لا وما ورد في السنة من جواز ذلك في أمور معينة يكون مخصصا لهذا العموم وسيأتي ذكر سبب نزول الآية ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقوله ﴿ للرجال نصيب ﴾ إلخ فيه تخصيص بعد التعميم ورجوع إلى ما يتضمنه سبب نزول الآية من أن أم سلمة قالت : يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزي ولا نقاتل فنستشهد وإنما لنا نصف الميراث فنزلت أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي وقد روي نحو هذا السبب من طرق بألفاظ مختلفة والمعنى في الآية : أن الله جعل لكل من الفريقين نصيبا على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته وعبر عن ذلك المجعول لكل فريق من فريقي النساء والرجال بالنصيب مما اكتسبوا على طريق الاستعارة التبعية شبه اقتضاء حال كل فريق لنصيبه باكتسابه إياه قال قتادة : للرجال نصيب مما اكتسبوا من الثواب والعقاب وللنساء كذلك وقال ابن عباس : المراد بذلك الميراث والاكتساب على هذا القول بمعنى ما ذكرناه قوله ﴿ واسألوا الله من فضله ﴾ عطف على قوله ﴿ ولا تتمنوا ﴾ وتوسيط التعليل بقوله ﴿ للرجال نصيب ﴾ إلخ بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير ما تضمنه النهي وهذا الأمر يدل على وجوب سؤال الله سبحانه من فضله كما قاله جماعة من أهل العلم