قوله ٧٧ - ﴿ ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ﴾ الآية قيل : هم جماعة من الصحابة أمروا بترك القتال في مكة بعد أن تسرعوا إليه فلما كتب عليهم بالمدينة تثبطوا عن القتال من غير شك في الدين بل خوفا من الموت وفرقا من هول القتل وقيل : إنها نزلت في اليهود وقيل في المنافقين أسلموا قبل فرض القتال فلما فرض كرهوه وهذا أشبه بالسياق لقوله :﴿ وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ﴾ وقوله ﴿ وإن تصبهم حسنة ﴾ الآية ويبعد صدور مثل هذا من الصحابة قوله ﴿ كخشية الله ﴾ صفة مصدر محذوف : أي خشية كخشية الله أو حال : أي : تخشونهم مشبهين أهل خشية الله والمصدر مضاف إلى المفعول : أي كخشيتهم الله وقوله ﴿ أو أشد خشية ﴾ معطوف على ﴿ كخشية الله ﴾ في محل جر أو معطوف على الجار والمجرور جميعا فيكون في محل الحال كالمعطوف عليه أو للتنويع على معنى أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها قوله ﴿ وقالوا ﴾ عطف على ما يدل عليه قوله ﴿ إذا فريق منهم ﴾ أي : فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس ﴿ وقالوا : ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا ﴾ أي : هلا أخرتنا يريدون المهلة إلى وقت آخر قريب من الوقت الذي فرض عليهم فيه القتال فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم فقال ﴿ قل متاع الدنيا قليل ﴾ سريع الفناء لا يدوم لصاحبه وثواب الآخرة خير لكم من المتاع القليل ﴿ لمن اتقى ﴾ منكم ورغب في الثواب الدائم ﴿ ولا تظلمون فتيلا ﴾ أي : شيئا حقيرا يسيرا وقد تقدم تفسير الفتيل قريبا وإذا كنتم توفرون أجوركم ولا تنقصون شيئا منها فكيف ترغبون عن ذلك وتشتغلون بمتاع الدنيا مع قلته وانقطاعه
وقوله ٧٨ - ﴿ أينما تكونوا يدرككم الموت ﴾ كلام مبتدأ وفيه حث لمن قعد عن القتال خشية الموت وبيان لفساد ما خالطه من الجن وخامره من الخشية فإن الموت إذا كان كائنا لا محالة
( فمن لم يمت بالسيف مات بغيره )
والبروج جمع برج : وهو البناء المرتفع والمشيدة : المرفعة من شاد القصر : إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه
وقد اختلف في هذه البروج ما هي ؟ فقيل : الحصون التي في الأرض وقيل : هي القصور قال الزجاج والقتيبي : ومعنى مشيدة مطولة وقيل : معناه مطلية بالشيد وهو الجص وقيل : المراد بالبروج بروج في سماء الدنيا مبنية حكاه مكي عن مالك وقال : ألا ترى إلى قوله ﴿ والسماء ذات البروج ﴾ ﴿ جعل في السماء بروجا ﴾ ﴿ ولقد جعلنا في السماء بروجا ﴾ وقيل : إن المراد بالبروج المشيدة هنا قصور من حديد وقرأ طلحة بن سليمان ﴿ يدرككم الموت ﴾ بالرفع على تقدير الفاء كما في قوله :
( وقال رائدهم أرسوا نزاولها )


الصفحة التالية
Icon