الفاء في قوله ٨٤ - ﴿ فقاتل ﴾ قيل : هي متعلقة بقوله ﴿ ومن يقاتل في سبيل الله ﴾ إلخ : أي من أجل هذا فقاتل وقيل : متعلقة بقوله ﴿ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ﴾ فقاتل وقيل : هي جواب شرط محذوف يدل عليه السياق تقديره : إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل أو إذا أفردوك وتركوك فقاتل قال الزجاج : أمر الله رسوله صلى الله عليه و سلم بالجهاد وإن قاتل وحده لأنه قد ضمن له النصر قال ابن عطية : هذا ظاهر اللفظ إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة فالمعنى والله أعلم : أنه خطاب له في اللفظ وفي المعنى له ولأمته : أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له ﴿ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ﴾ أي : لا تكلف غير نفسك ولا تلزم فعل غيرك وهو استئناف مقرر لما قبله لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده وقرئ ﴿ لا تكلف ﴾ بالجزم على النهي وقرئ بالنون قوله ﴿ وحرض المؤمنين ﴾ أي : حضهم على القتال والجهاد يقال : حرضت فلانا على كذا : إذا أمرته به وحارض فلان على الأمر وأكب عليه وواظب عليه بمعنى واحد قوله ﴿ عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ﴾ فيه إطماع للمؤمنين بكف بأس الذين كفروا عنهم والاطماع من الله عز و جل واجب فهو وعد منه سبحانه ووعده كائن لا محالة ﴿ والله أشد بأسا ﴾ أي : أشد صولة وأعظم سلطانا ﴿ وأشد تنكيلا ﴾ أي : عقوبة يقال : نكلت بالرجل تنكيلا من النكال وهو العذاب والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان
٨٥ - ﴿ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ﴾ أصل الشفاعة والشفعة ونحوهما من الشفع وهو الزوج ومنه الشفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا ومنه ناقة شفوع : إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة وناقة شفيع : إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها والشفع : ضم واحد إلى واحد والشفعة : ضم ملك الشريك إلى ملكه فالشفاعة : ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع واتصال منفعة إلى المشفوع له والشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة والشفاعة السيئة في المعاصي فمن شفع في الخير لينفع فله نصيب منها أي من أجرها ومن شفع في الشر كمن يسعى بالنميمة والغيبة كان له كفل منها أي نصيب من وزرها والكفل : الوزر والإثم واشتقاقه من الكساء الذي يجعله الراكب على سنام البعير لئلا يسقط يقال اكتفلت البعير : إذا أدركت على سنامه كساء وركبت عليه لأنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيبا منه ويستعمل في النصيب من الخير والشر ومن استعماله في الخير قوله تعالى ﴿ يؤتكم كفلين من رحمته ﴾ ﴿ وكان الله على كل شيء مقيتا ﴾ أي : مقتدرا قاله الكسائي وقال الفراء : المقيت الذي يعطي كل إنسان قوته يقال : قته أقوته قوتا وأقته أقيته إقاتة فأنا قائت ومقيت وحكى الكسائي أقات يقيت وقال أبو عبيدة : المقيت الحافظ قال النحاس : وقول أبي عبيدة لأنه مشتق من القوت والقوت معناه : مقدار ما يحفظ الإنسان وقال ابن فارس في المجمل : المقيت المقتدر والمقيت : الحافظ والشاهد وأما قول الشاعر :
( ألي الفضل أم علي إذا حو | سبت إني على الحساب مقيت ) |