قوله ٩٢ - ﴿ وما كان لمؤمن ﴾ هذا النفي هو بمعنى النهي المقتضي للتحريم كقوله ﴿ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ﴾ ولو كان هذا النفي على معناه لكان خبرا وهو يستلزم صدقه فلا يوجد مؤمن قتل مؤمنا قط وقيل : المعنى ما كان له ذلك في عهد الله وقيل : ما كان له ذلك فيما سلف كما ليس له الآين ذلك بوجه ثم استثنى منه استثناء منقطعا فقال : إلا خطأ أي ما كان له أن يقتله البتة لكن إن قتله خطا فعليه كذا هذا قول سيبويه والزجاج وقيل : هو استثناء متصل والمعنى : وما ثبت ولا وجد ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ إذ هو مغلوب حيئذ وقيل المعنى : ولا خطأ قال النحاس : ولا يعرف ذلك في كلام العرب ولا يصح في المعنى لان الخطأ لا يحظر وقيل إن المعنى : ما ينبغي أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده فيكون قوله : خطأ منتصبا بانه مفعول له ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف : أي : إلا قتلا خطأ ووجوه الخطأ كثيرة ويضبطها عدم القصد والخطأ الاسم من أخطأ إذا لم يعتمد قوله ﴿ فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ أي : فعليه تحرير رقبة مؤمنة يعتقها كفارة عن قتل الخطأ وعبر بالرقبة عن جميع الذات
واختلف العلماء في تفسير الرقبة المؤمنة فقيل : هي التي صلت وعقلت الإيمان فلا تجزئ الصغيرة وبه قال ابن عباس والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم وقال عطاء بن أبي رباح : إنها تجزئ الصغيرة المولودة بين المسلمين وقال جماعة منهم مالك والشافعي : يجزئ كل من حكم له بوجوب الصلاة عليه إن مات ولا يجزئ في قول جمهور العلماء أعمى ولا مقعد ولا أشل ويجزئ عند الأكثر الأعرج والأعور قال مالك إلا أن يكون عرجا شديدا ولا يجزئ عند أكثرهم المجنون وفي المقام تفاصيل طويلة مذكورة في علم الفروع قوله ﴿ ودية مسلمة إلى أهله ﴾ الدية : ما تعطى عوضا عن دم المقتول إلى ورثته والمسلمة : المدفوعة المؤداة والأهل المراد بهم الورثة وأجناس الدية وتفاصيلها قد بينتها السنة المطهرة قوله ﴿ إلا أن يصدقوا ﴾ أي : إلا أن يتصدق أهل المقتول على القاتل بالدية سمي العفو عنها صدقة ترغيبا فيه وقرأ أبي : إلا يتصدقوا وهذه الجملة المستثناة متعلقة بقوله ﴿ فدية مسلمة ﴾ أي : فعليه دية مسلمة إلا أن يقع العفو من الورثة عنها قوله ﴿ فإن كان من قوم عدو لكم ﴾ أي : فإن كان المقتول من قوم عدو لكم وهم الكفار الحربيون وهذه مسألة المؤمن الذي يقتله المسلمون في بلاد الكفار الذين كان منهم ثم أسلم ولم يهاجر وهم يظنون أنه لم يسلم وأنه باق على دين قومه فلا دية على قاتله بل عليه تحرير رقبة مؤمنة واختلفوا في وجه سقوط الدية فقيل : وجهه أن أولياء القتيل كفار لا حق لهم في الدية وقيل : وجهه أن هذا الذي آمن ولم يهاجر حرمته قليلة لقول الله تعالى ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ﴾ وقال بعض أهل العلم : إن ديته واجبة لبيت المال قوله ﴿ وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ﴾ أي : مؤقت أو مؤيد وقرأ الحسن ﴿ وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله ﴾ أي : فعلى قاتله دية مؤداة إلى أهله من أهل الإسلام وهم ورثته ﴿ وتحرير رقبة مؤمنة ﴾ كما تقدم ﴿ فمن لم يجد ﴾ أي الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها ﴿ فصيام شهرين متتابعين ﴾ أي فعليه صيام شهرين متتابعين لم يفصل بين يومين من أيام صومهما إفطار في نهار فلو أفطر استأنف هذا قول الجمهور وأما الإفطار لعذر شرعي كالحيض ونحوه فلا يوجب الاستئناف واختلف في الإفطار لعرض المرض قوله ﴿ توبة من الله ﴾ منصوب على أنه مفعول له : أي شرع ذلك لكل توبة أي : قبولا لتوبتكم أو منصوب على المصدرية : أي تاب عليكم توبة وقيل منصوب على الحال : أي حال كونه ذا توبة كائنة من الله


الصفحة التالية
Icon