قوله ١١٨ - ﴿ لعنه الله ﴾ أصل اللعن الطرد والإبعاد وقد تقدم وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط قوله :﴿ وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ﴾ معطوف على قوله ﴿ لعنه الله ﴾ والجملتان صفة لشيطان : أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله له وبين هذا القول الشنيع والنصيب المفروض : هو المقطوع المقدر : أي لأجعلن قطعة مقدرة من عباد الله تحت غوايتي وفي جانب إضلالي حتى أخرجهم من عبادة الله إلى الكفر به
قوله ١١٩ - ﴿ ولأضلنهم ﴾ اللام جواب قسم محذوف والإضلال : الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية وهكذا اللام في قوله :﴿ ولأمنينهم ولآمرنهم ﴾ والمراد بالأماني التي يمنيهم بها الشيطان : هي الأماني الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته وقوله :﴿ ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ﴾ أي : ولآمرنهم بتبتك آذان الأنعام : أي تقطيعها فليبتكنها بموجب أمري والبتك : القطع ومنه سيف باتك يقال : بتكه وبتكه مخففا ومشددا ومنه قوله زهير :
( طارت وفي كفه من ريشها بتك )
أي : قطع وقد فعل الكفار ذلك امتثالا لأمر الشيطان واتباعا لرسمه فشقوا آذان البحائر والسوائب كما ذلك معروف قوله ﴿ ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ﴾ أي : ولآمرنهم بتغيير خلق الله فليغيرنه بموجب أمري لهم واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو ؟ فقالت طائفة : هو الخصاء وفقء الأعين وقطع الآذان وقال آخرون : إن المراد بهذا التغيير هو أن الله سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار والنار ونحوها من المخلوقات لما خلقها له فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة وبه قال الزجاج وقيل : المراد بهذا التغيير تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملا شموليا أو بدليا
وقد رخص طائفة من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره وكره ذلك آخرون وأما خصاء بني آدم فحرام وقد كره قوم شراء الخصي قال القرطبي : ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود قاله أبو عمر بن عبد البر ﴿ ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله ﴾ باتباعه وامتثال ما يأمر به من دون اتباع لما أمر الله به ولا امتثال له ﴿ فقد خسر خسرانا مبينا ﴾ أي واضحا ظاهرا