قرأ أبو جعفر بتخفيف الياء من أماني في الموضعين واسم ليس محذوف : أي ليس دخول الجنة أو الفضل أو القرب من الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب كما يدل على ذلك سبب نزول الآية الآتي وقيل : ضمير يعود إلى وعد الله وهو بعيد ومن أماني أهل الكتاب قولهم ﴿ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ﴾ وقولهم ﴿ نحن أبناء الله وأحباؤه ﴾ وقولهم ﴿ لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ﴾ قوله ١٢٣ - ﴿ من يعمل سوءا يجز به ﴾ قيل : المراد بالسوء الشرك وظاهر الآية أعم من ذلك فكل من عمل سوءا أي سوء كان فهو مجزي به من غير فرق بين المسلم والكافر وفي هذه الجملة ما ترجف له القلوب من الوعيد الشديد وقد كان لها في صدور المسلمين عند نزولها موقع عظيم كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال :[ لما نزلت ﴿ من يعمل سوءا يجز به ﴾ بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها ] قوله ﴿ ولا يجد له ﴾ قرأه الجماعة بالجزم عطفا على الجزاء وروى ابن بكار عن ابن عامر ﴿ ولا يجد ﴾ بالرفع استئنافا : أي ليس لمن يعمل السوء من دون الله وليا يواليه ولا نصيرا ينصره
١٢٤ - ﴿ ومن يعمل من الصالحات ﴾ أي بعضها حال كونه ﴿ من ذكر أو أنثى ﴾ وحال كونه مؤمنا والحال الأولى لبيان من يعمل والحال الأخرى لإفادة اشتراط الإيمان في كل عمل صالح ﴿ فأولئك ﴾ إشارة إلى العمل المتصف بالإيمان ﴿ يدخلون الجنة ﴾ قرأ أبو عمرو وابن كثير ﴿ يدخلون ﴾ بضم حرف المضارعة على البناء للمجهول وقرأ الباقون بفتحها على البناء للمعلوم ﴿ ولا يظلمون نقيرا ﴾ أي : لا ينقصون شيئا حقيرا وقد تقدم تفسير النقير
١٢٥ - ﴿ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ﴾ أي : أخلص نفسه له حال كونه محسنا : أي عاملا للحسنات ﴿ واتبع ملة إبراهيم ﴾ أي : دينه حال كون المتبع ﴿ حنيفا ﴾ أي : مائلا عن الأديان الباطلة إلى دين الحق وهو الإسلام ﴿ واتخذ الله إبراهيم خليلا ﴾ أي : جعله صفوة له وخصه بكراماته قال ثعلب : إنما سمي الخليل خليلا لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خليلا إلا ملأته وأنشد قول بشار :
( قد تخللت مسلك الروح مني | وبه سمي الخليل خليلا ) |