قوله : ٨٤ - ﴿ وما لنا لا نؤمن بالله ﴾ كلام مستأنف والاستفهام للاستبعاد ﴿ ولنا ﴾ متعلق بمحذوف و ﴿ لا نؤمن ﴾ في محل نصب في الحال والتقدير : أي شيء حصل لنا حال كوننا لا نؤمن بالله وبما جاءنا من الحق ؟ والمعنى : أنهم استبعدوا انتفاء الإيمان منهم مع وجود المقتضى له وهو الطمع في إنعام الله فالاستفهام والنفي متوجهان إلى القيد والمقيد جميعا كقوله تعالى :﴿ ما لكم لا ترجون لله وقارا ﴾ والواو في ﴿ ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ﴾ للحال أيضا بتقدير مبتدأ : أي أي شيء حصل لنا غير مؤمنين ونحن نطمع في الدخول مع الصالحين ؟ فالحال الأولى والثانية صاحبهما الضمير في ﴿ لنا ﴾ وعاملهما الفعل المقدر : أي حصل ويجوز أن تكون الحال الثانية من الضمير في ﴿ نؤمن ﴾ والتقدير : وما لنا نجمع بين ترك الإيمان وبين الطمع في صحبة الصالحين
قوله : ٨٥ - ﴿ فأثابهم الله بما قالوا ﴾ إلخ أثابهم على هذا القول مخلصين له معتقدين لمضمونه
قوله : ٨٦ - ﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ﴾ التكذيب بالآيات كفر فهو من باب عطف الخاص على العام والجحيم : النار الشديدة الإيقاد ويقال جحم فلان النار : إذا شدد إيقادها ويقال أيضا لعين الأسد : جحمة لشدة اتقادها قال الشاعر :
( والحرب لا تبقى لجاحمها التحيل والمزاح )
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ ولتجدن أقربهم مودة ﴾ الآية قال : هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله ] وفي لفظ :[ إلا حدث نفسه بقتله ] قال ابن كثير : وهو غريب جدا وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : ما ذكر الله به النصارى من خير فإنما يراد به النجاشي وأصحابه وأخرج أبو الشيخ عنه قال : هم ناس من الحبشة آمنوا إذا جاءتهم مهاجرة المؤمنين فذلك لهم وأخرج النسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه ﴿ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والواحدي من طريق ابن شهاب قال : أخبرني سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعروة بن الزبير قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري وكتب معه كتابا إلى النجاشي فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه وأرسل النجاشي إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم أمر جعفر بن أبي طالب أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ عليهم سورة مريم فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع وهم الذين أنزل الله فيهم ﴿ ولتجدن أقربهم مودة ﴾ إلى قوله :﴿ من الشاهدين ﴾ وأخرج عبد بن حميد ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير في الآية قال : هم رسل النجاشي بإسلامه وإسلام قومه كانوا سبعين رجلا يختارهم من قومه الخير فالخير في الفقه والسن وفي لفظ : بعث من خيار أصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثين رجلا فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم دخلوا عليه فقرأ عليهم سورة يس فبكوا حين سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق فأنزل الله فيهم :﴿ ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ﴾ الآية ونزلت هذه الآية فيهم أيضا :﴿ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ﴾ إلى قوله :﴿ أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ﴾ وأخرج عبد بن حميد والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بدون ذكر العدد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم اثني عشر رجلا سبعة قسيسين وخمسة رهبانا ينظرون إليه ويسألونه فلما لقوه فقرأ عليهم ما أنزل الله بكوا وآمنوا فأنزل الله فيهم :﴿ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ﴾ الآية والروايات في هذا الباب كثيرة وهذا المقدار يكفي فليس المراد إلا بيان سبب نزول الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ قسيسين ﴾ قال : هم علماؤهم وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : القسيسون عبادهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله :﴿ فاكتبنا مع الشاهدين ﴾ قال : أمة محمد صلى الله عليه و سلم


الصفحة التالية
Icon