قوله : ٤٢ - ﴿ ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ﴾ كلام مبتدأ مسوق لتسلية النبي صلى الله عليه و سلم : أي ولقد أرسلنا إلى أمم كائنة من قبلك رسلا فكذبوهم ﴿ فأخذناهم بالبأساء والضراء ﴾ أي البؤس والضر وقيل : البأساء المصائب في الأموال والضراء المصائب في الأبدان وبه قال الأكثر :﴿ لعلهم يتضرعون ﴾ أي يدعون الله بضراعة مأخوذ من الضراعة وهي الذل يقال : ضرع فهو ضارع ومنه قول الشاعر :


قوله : ٤٣ - ﴿ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ﴾ أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا لكنهم لم يتضرعوا وهذا عتاب لهم على ترك الدعاء في كل الأحوال حتى عند نزول العذاب بهم لشدة تمردهم وغلوهم في الكفر ويجوز أن يكون المعنى أنهم تضرعوا عند أن نزل بهم العذاب وذلك تضرع ضروري لم يصدر عن إخلاص فهو غير نافع لصاحبه والأول أولى كما يدل عليه ﴿ ولكن قست قلوبهم ﴾ أي صلبت وغلظت ﴿ وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ﴾ أي أغواهم بالتصميم على الكفر والاستمرار على المعاصي
قوله : ٤٤ - ﴿ فلما نسوا ما ذكروا به ﴾ أي تركوا ما ذكروا به أو أعرضوا عما ذكروا به لأن النسيان لو كان على حقيقته لم يؤاخذوا به إذ ليس هو من فعلهم وبه قال ابن عباس وابن جريج وأبو علي الفارسي والمعنى : أنهم لما تركوا الاتعاظ بما ذكروا به من البأساء والضراء وأعرضوا عن ذلك ﴿ فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾ أي لما نسوا ما ذكروا به استدرجناهم بفتح أبواب كل نوع من أنواع الخير عليهم ﴿ حتى إذا فرحوا بما أوتوا ﴾ من الخير على أنواعه فرح بطر وأشر وأعجبوا بذلك وظنوا أنهم إنما أعطوه لكون كفرهم الذي هم عليه حقا وصوابا :﴿ أخذناهم بغتة ﴾ أي فجأة وهم غير مترقبين لذلك والبغتة : الأخذ على غرة من غير تقدمة أمارة وهي مصدر في موضع الحال لا يقاس عليها عند سيبويه قوله :﴿ فإذا هم مبلسون ﴾ المبلس : الحزين الآيس من الخير لشدة ما نزل به من سوء الحال ومن ذلك اشتق اسم إبليس يقال : أبلس الرجل إذا سكت وأبلست الناقة إذا لم ترع قال العجاج :
( لبيك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح )
( صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا )
أي تحير لهول ما رأى والمعنى : فإذا هم محزونون متحيرون آيسون من الفرح


الصفحة التالية
Icon