قوله : ٥٣ - ﴿ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ﴾ أي مثل ذلك الفتن العظيم فتنا بعض الناس ببعض والفتنة : الاختبار : أي عاملناهم معاملة المختبرين واللام في ﴿ ليقولوا ﴾ للعاقبة : أي ليقول البعض الأول مشيرين إلى البعض الثاني ﴿ أهؤلاء ﴾ الذين ﴿ من الله عليهم من بيننا ﴾ أي أكرمهم بإصابة الحق دوننا قال النحاس : وهذا من المشكل لأنه يقال : كيف فتنوا ليقولوا هذا القول وهو إن كان على طريقة الإنكار كفر وأجاب بجوابين : الأول : أن ذلك واقع منهم على طريقة الاستفهام لا على سبيل الإنكار والثاني : أنهم لما اختبروا بهذا كان عاقبته هذا القول منهم كقوله :﴿ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ﴾ قوله : قوله :﴿ أليس الله بأعلم بالشاكرين ﴾ هذا الاستفهام للتقرير والمعنى : أن مرجع الاستحقاق لنعم الله سبحانه هو الشكر وهو أعلم بالشاكرين له فما بالكم تعترضون بالجهل وتنكرون الفضل
قوله : ٥٤ - ﴿ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ﴾ هم الذين نهاه الله عن طردهم وهم المستضعفون من المؤمنين كما سيأتي بيانه ﴿ فقل سلام عليكم ﴾ أمره الله بأن يقول لهم هذا القول تطييبا لخواطرهم وإكراما لهم والسلام والسلامة : بمعنى واحد فمعنى سلام عليكم : سلمكم الله وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم بعد نزول هذه الآية إذا رآهم بدأهم بالسلام وقيل : إن هذا السلام هو من جهة الله : أي أبلغهم منا السلام قوله :﴿ كتب ربكم على نفسه الرحمة ﴾ أي أوجب ذلك إيجاب فضل وإحسان وقيل : كتب ذلك في اللوح المحفوظ قيل : هذا من جملة ما أمره الله سبحانه بإبلاغه إلى أولئك الذين أمره بإبلاغ السلام إليهم تبشيرا بسعة مغفرة الله وعظيم رحمته قوله :﴿ أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ﴾ قرأ ابن عامر وعاصم ونافع بفتح أن من أنه وقرأ الباقون بكسرها فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة بدلا من الرحمة : أي كتب ربكم على نفسه أنه من عمل إلى آخره وعلى القراءة الثانية تكون هذه الجملة مفسرة للرحمة بطريق الاستئناف وموضع بجهالة النصب على الحال : أي عمله وهو جاهل قيل : والمعنى أنه فعل فعل الجاهلين لأن من عمل ما يؤدي إلى الضرر في العاقبة مع علمه بذلك أو ظنه فقد فعل فعل أهل الجهل والسفه لا فعل أهل الحكمة والتدبير وقيل المعنى : أنه عمل ذلك وهو جاهل لما يتعلق به من المضرة فتكون فائدة التقييد بالجهالة الإيذان بأن المؤمن لا يباشر ما يعلم أنه يؤدي إلى الضرر قوله :﴿ ثم تاب من بعده ﴾ أي من بعد عمله ﴿ وأصلح ﴾ ما أفسده بالمعصية فراجع الصواب وعمل الطاعة ﴿ إن الله غفور رحيم ﴾ قرأ ابن عامر وعاصم بفتح الهمزة من فإنه وقرأ الباقون الكسر فعلى القراءة الأولى تكون أن وما بعدها خبر مبتدأ محذوف : أي فأمره أن الله غفور رحيم وهذا اختيار سيبويه واختار أبو حاتم أن الجملة في محل رفع على الابتداء والخبر مضمر كأنه قيل فله :﴿ أنه غفور رحيم ﴾ قال : لأن المبتدأ هو ما بعد الفاء وأما على القراءة الثانية فالجملة مستأنفة


الصفحة التالية
Icon