قوله : ٥٩ - ﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ﴾ المفاتح جمع مفتح بالفتح : وهو المخزن : أي عنده مخازن الغيب جعل للأمور الغيبية مخازن تخزن فيها على طريق الاستعارة أو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح جعل للأمور الغيبية مفاتح يتوصل بها إلى ما في المخازن منها على طريق الاستعارة أيضا ويؤيد أنها جمع مفتح بالكسر قراءة ابن السميفع ( وعنده مفاتيح الغيب ) فإن المفاتيح جمع مفتاح والمعنى : إن عنده سبحانه خاصة مخازن الغيب أو المفاتح التي يتوصل بها إلى المخازن وقوله :﴿ لا يعلمها إلا هو ﴾ جملة مؤكدة لمضمون الجملة الأولى وأنه لا علم لأحد من خلقه بشيء من الأمور الغيبية التي استأثر الله بعلمها ويندرج تحت هذه الآية علم ما يستعجله الكفار من العذاب كما يرشد إليه السياق اندراجا أوليا وفي هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين وغيرهم من المدعين ما ليس من شأنهم ولا يدخل تحت قدرتهم ولا يحيط به علمهم ولقد ابتلي الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم :[ من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد ] قوله :﴿ ويعلم ما في البر والبحر ﴾ خصهما بالذكر لأنهما من أعظم مخلوقات الله : أي يعلم ما فيهما من حيوان وجماد علما مفصلا لا يخفى عليه منه شيء أو خصهما لكونهما أكثر ما يشاهده الناس ويتطلعون لعلم ما فيهما ﴿ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ﴾ أي من ورق الشجر وهو تخصيص بعد التعميم : أي يعلمها ويعلم زمان سقوطها ومكانه وقيل : المراد بالورقة ما يكتب فيه الآجال والأرزاق وحكى النقاش عن جعفر بن محمد أن الورقة يراد بها هنا السقط من أولاد بني آدم قال ابن عطية : وهذا قول جار على طريقة الرموز ولا يصح عن جعفر بن محمد ولا ينبغي أن يلتفت إليه ﴿ ولا حبة ﴾ كائنة ﴿ في ظلمات الأرض ﴾ أي في الأمكنة المظلمة وقيل في بطن الأرض :﴿ ولا رطب ولا يابس ﴾ بالخفض عطفا على حبة : وهي معطوفة على ورقة وقرأ ابن السميفع والحسن وغيرهما بالرفع عطفا على موضع من ورقة وقد شمل وصف الرطوبة واليبوسة جميع الموجودات قوله :﴿ إلا في كتاب مبين ﴾ هو اللوح المحفوظ فتكون هذه الجملة بدل اشتمال من ﴿ إلا يعلمها ﴾ وقيل : هو عبارة عن علمه فتكون هذه الجملة بدل كل من تلك الجملة
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني في قوله :﴿ قل إني على بينة من ربي ﴾ قال : على ثقة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله :﴿ لقضي الأمر بيني وبينكم ﴾ قال : لقامت الساعة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله :﴿ وعنده مفاتح الغيب ﴾ قال : يقول خزائن الغيب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ وعنده مفاتح الغيب ﴾ قال : هن خمس ﴿ إن الله عنده علم الساعة ﴾ إلى قوله :﴿ عليم خبير ﴾ وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله ] وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ﴾ قال : ما من شجرة في بر ولا بحر إلا وبها ملك يكتب ما يسقط من ورقها وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن جحادة في قوله :﴿ وما تسقط من ورقة ﴾ قال : لله تبارك وتعالى شجرة تحت العرش ليس مخلوق إلا له فيها ورقة فإذا سقطت ورقته خرجت روحه من جسده فذلك قوله :﴿ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ﴾ وأخرج الخطيب في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ ما من زرع على الأرض ولا ثمار على أشجار إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا رزق فلان ابن فلان ] فذلك قوله تعالى :﴿ وما تسقط من ﴾ الآية وقد رواه ابن يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكره وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية :﴿ ولا رطب ولا يابس ﴾ فقال : الرطب واليابس من كل شيء


الصفحة التالية
Icon