قوله : ٩١ - ﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾ قدرت الشيء وقدرته عرفت مقداره وأصله : الستر ثم استعمل في معرفة الشيء : أي لم يعرفوه حق معرفته حيث أنكروا إرساله للرسل وإنزاله للكتب وقيل المعنى : وما قدروا نعم الله حق تقديرها وقرأ أبو حمزة ﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾ بفتح الدال : وهي لغة ولما وقع منهم هذا الإنكار وهم من اليهود أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم أن يورد عليهم حجة لا يطيقون دفعها فقال :﴿ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ﴾ وهم يعترفون بذلك ويذعنون له فكان في هذا من التبكيت لهم والتقريع ما لا يقادر قدره مع إلجائهم إلى الاعتراف بما أنكروه من وقوع إنزال الله على البشر وهم الأنبياء عليهم السلام فبطل جحدهم وتبين فساد إنكارهم وقيل : إن القائلين بهذه المقالة هم كفار قريش فيكون إلزامهم بإنزال الله الكتاب على موسى من جهة أنهم يعترفون بذلك ويعلمونه بالأخبار من اليهود وقد كانوا يصدقونهم و ﴿ نورا وهدى ﴾ منتصبان على الحال و ﴿ للناس ﴾ متعلق بمحذوف هو صفة لهدى : أي كائنا للناس قوله :﴿ تجعلونه قراطيس ﴾ أي تجعلون الكتاب الذي جاء به موسى في قراطيس تضعونه فيها ليتم لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل وكتم صفة النبي صلى الله عليه و سلم المذكورة فيه وهذا ذم لهم والضمير في ﴿ تبدونها ﴾ راجع إلى القراطيس وفي ﴿ تجعلونه ﴾ راجع إلى الكتاب وجملة تجعلونه في محل نصب على الحال وجملة تبدونها صفة لقراطيس ﴿ وتخفون كثيرا ﴾ معطوف على تبدونها : أي وتخفون كثيرا منها والخطاب في ﴿ وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ﴾ لليهود : أي والحال أنكم قد علمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ويحتمل أن تكون هذه الجملة استئنافية مقررة لما قبلها والذي علموه هو الذي أخبرهم به نبينا محمد صلى الله عليه و سلم من الأمور التي أوحى الله إليه بها فإنها اشتملت على ما لم يعلموه من كتبهم ولا على لسان أنبيائهم ولا علمه آباؤهم ويجوز أن يكون ما في ما لم تعلموا عبارة عما علموه من التوراة فيكون ذلك على وجه المن عليهم بإنزال التوراة وقيل : الخطاب للمشركين من قريش وغيرهم فتكون ما عبارة عما علموه من رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أمره الله رسوله بأن يجيب عن ذلك الإلزام الذي ألزمهم به حيث قال :﴿ من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ﴾ فقال :﴿ قل الله ﴾ أي أنزله الله ﴿ ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ﴾ أي ذرهم في باطلهم حال كونهم يلعبون : أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون
قوله : ٩٢ - ﴿ وهذا كتاب أنزلناه مبارك ﴾ هذا من جملة الرد عليهم في قولهم :﴿ ما أنزل الله على بشر من شيء ﴾ أخبرهم بأن الله أنزل التوراة على موسى وعقبه بقوله :﴿ وهذا كتاب أنزلناه ﴾ يعني على محمد صلى الله عليه و سلم فكيف تقولون :﴿ ما أنزل الله على بشر من شيء ﴾ ومبارك ومصدق صفتان لكتاب والمبارك كثير البركة والمصدق كثير التصديق والذي بين يديه ما أنزله الله من الكتب على الأنبياء من قبله كالتوراة والإنجيل فإنه يوافقها في الدعوة إلى الله وإلى توحيده وإن خالفها في بعض الأحكام قوله :﴿ ولتنذر ﴾ قيل : هو معطوف على ما دل عليه مبارك كأنه قيل أنزلناه للبركات ولتنذر وخص أم القرى وهي مكة لكونها أعظم القرى شأنا ولكونها أول بيت وضع للناس ولكونها قبلة هذه الأمة ومحل حجهم فالإنذار لأهلها مستتبع لإنذار سائر أهل الأرض والمراد بمن حولها جميع أهل الأرض والمراد بإنذار أم القرى : إنذار أهلها وأهل سائر الأرض فهو على تقدير مضاف محذوف كسؤال القرية ﴿ والذين يؤمنون بالآخرة ﴾ مبتدأ و ﴿ يؤمنون به ﴾ خبره والمعنى : أن من حق من صدق بالدار الآخرة أن يؤمن بهذا الكتاب ويصدقه ويعمل بما فيه لأن التصديق بالآخرة يوجب قبول من دعا الناس إلى ما ينال به خيرها ويندفع به ضرها وجملة ﴿ وهم على صلاتهم يحافظون ﴾ في محل نصب على الحال وخص المحافظة على الصلاة من بين سائر الواجبات لكونها عمادها وبمنزلة الرأس لها


الصفحة التالية
Icon