قوله : ١٠٦ - ﴿ اتبع ما أوحي إليك من ربك ﴾ أمره الله باتباع ما أوحي إليه وأن لا يشغل خاطره بهم بل يشتغل باتباع ما أمره الله وجملة ﴿ لا إله إلا هو ﴾ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لقصد تأكيد إيجاب الاتباع ﴿ وأعرض ﴾ معطوف على ﴿ اتبع ﴾ أمره الله بالإعراض عن المشركين بعدما أمره باتباع ما أوحي إليه وهذا قبل نزول آية السيف
١٠٧ - ﴿ ولو شاء الله ما أشركوا ﴾ أي لو شاء الله عدم إشراكهم ما أشركوا وفيه أن الشرك بمشيئة الله سبحانه والكلام في تقرير هذا على الوجه الذي يتعارف به أهل علم الكلام والميزان معروف فلا نطيل بإيراده ﴿ وما جعلناك عليهم حفيظا ﴾ أي رقيبا ﴿ وما أنت عليهم بوكيل ﴾ أي قيم بما فيه نفعهم فتجلبه إليهم ليس عليك غلا إبلاغ الرسالة
قوله : ١٠٨ - ﴿ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ﴾ الموصول عبارة عن الآلهة التي كانت تعبدها الكفار والمعنى : لا تسب يا محمد آلهة هؤلاء الكفار التي يدعونها من دون الله فيتسبب عن ذلك سبهم لله عدوانا وتجاوزا عن الحق وجهلا منهم
وفي هذه الآية دليل على أن الداعي إلى الحق والناهي عن الباطل إذا خشي أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرم ومخالفة حق ووقوع في باطل أشد كان الترك أولى به بل كان واجبا عليه وما أنفع هذه الآية وأجل فائدتها لمن كان من الحاملين لحجج الله المتصدين لبيانها للناس إذا كان بين قوم من الصم البكم الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه وتركوا غيره من المعروف وإذا نهاهم عن منكر فعلوه وفعلوا غيره من المنكرات عنادا للحق وبغضا لاتباع المحقين وجراءة على الله سبحانه سبحانه فإن هؤلاء لا يؤثر فيهم إلا السيف وهو الحكم العدل لمن عاند الشريعة المطهرة وجعل المخالفة لها والتجرؤ على أهلها ديدنه وهجيراه كما يشاهد ذلك في أهل البدع الذين إذا دعوا إلى حق وقعوا في كثير من الباطل وإذا أرشدوا إلى السنة قابلوها بما لديهم من البدعة فهؤلاء هم المتلاعبون بالدين المتهاونون بالشرائع وهم شر من الزنادقة لأنهم يحتجون بالباطل وينتمون إلى البدع ويتظهرون بذلك غير خائفين ولا وجلين والزنادقة قد ألجمتهم سيوف الإسلام وتحاماهم أهله وقد ينفق كيدهم ويتم باطلهم وكفرهم نادرا على ضعيف من ضعفاء المسلمين مع تكتم وتحرز وخيفة ووجل وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الآية محكمة ثابتة غير منسوخة وهي أصل أصيل في سد الذرائع وقطع التطرق إلى الشبه وقرأ أهل مكة عدوا بضم العين والدال وتشديد الواو وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وقرأ من عداهم بفتح العين وإسكان الدال وتخفيف الواو ومعنى القراءتين واحدا : أي ظلما وعدوانا وهو منتصب على الحال أو على المصدر أو على أنه مفعول له ﴿ كذلك زينا لكل أمة عملهم ﴾ أي مثل ذلك التزيين زينا لكل أمة من أمم الكفار عملهم من الخير والشر ﴿ يضل من يشاء ويهدي من يشاء ﴾ ﴿ ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ﴾ في الدنيا من المعاصي التي لم ينتهوا عنها ولا قبلوا من المرسلين ما أرسلهم الله به إليهم وما تضمنته كتبه المنزلة عليهم
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله :﴿ قد جاءكم بصائر ﴾ أي بينة ﴿ فمن أبصر فلنفسه ﴾ أي فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ﴿ ومن عمي ﴾ أي من ضل ﴿ فعليها ﴾ وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس أنه كان يقرأ درست وقال : قرأت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه ﴿ درست ﴾ قال : قرأت وتعلمت وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه أيضا قال دارست خاصمت جادلت تلوت وأخرج أبو الشيخ عن السدي ﴿ وأعرض عن المشركين ﴾ قال : كف عنهم وهذا منسوخ نسخه القتال ﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ﴾ قال : قالوا : يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ﴿ فيسبوا الله عدوا بغير علم ﴾ وقد ثبت في الصحيح [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ملعون من سب والديه قالوا يا رسول الله : وكيف يسب الرجل والديه ؟ قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ]


الصفحة التالية
Icon