قوله : ٣ - ﴿ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ﴾ يعني الكتاب ومثله السنة لقوله :﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ ونحوها من الآيات وهو أمر للنبي صلى الله عليه و سلم ولأمته وقيل : هو أمر للأمة بعد أمره صلى الله عليه و سلم بالتبليغ وهو منزل إليهم بواسطة إنزاله إلى النبي صلى الله عليه و سلم :﴿ ولا تتبعوا من دونه أولياء ﴾ نهي للأمة عن أن يتبعوا أولياء من دون الله يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله فالضمير على هذا في ﴿ من دونه ﴾ يرجع إلى رب ويجوز أن يرجع إلى ما في ما أنزل إليكم : أي لا تتبعوا من دون كتاب الله أولياء تقلدونهم في دينكم كما كان يفعله أهل الجاهلية من طاعة الرؤساء فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم قوله :﴿ قليلا ما تذكرون ﴾ انتصاب قليلا على أنه صفة لمصدر محذوف للفعل المتأخر : أي تذكرا قليلا وما مزيدة للتوكيد أو هو منتصب على الحال من فاعل لا تتبعوا وما مصدرية : أي لا تتبعوا من دونه أولياء قليلا تذكرهم قرئ ﴿ تذكرون ﴾ بالتخفيف بحذف إحدى التاءين وقرئ بالتشديد على الإدغام
قوله : ٤ - ﴿ وكم من قرية أهلكناها ﴾ كم هي الخبرية المفيدة للتكثير وهي في موضع رفع على الابتداء و ﴿ أهلكناها ﴾ الخبر و من قرية تمييز ويجوز أن تكون في محل نصب بإضمار فعل بعدها لا قبلها لأن لها صدر الكلام ولولا اشتغال أهلكناها بالضمير لجاز انتصاب كم به والقرية موضع اجتماع الناس : أي كم من قرية من القرى الكبيرة أهلكناها نفسها بإهلاك أهلها أو أهلكنا أهلها والمراد أردنا إهلاكها قوله :﴿ فجاءها بأسنا ﴾ معطوف على أهلكنا بتقدير الإرادة كما مر لأن ترتيب مجيء البأس على الإهلاك لا يصح إلا بهذا التقدير إذ الإهلاك هو نفس مجيء البأس وقال الفراء : إن الفاء بمعنى الواو فلا يلزم التقدير والمعنى : أهلكناها وجاءها بأسنا والواو لمطلق الجمع لا ترتيب فيها وقيل : إن الإهلاك واقع لبعض أهل القرية فيكون المعنى : وكم من قرية أهلكنا بعض أهلها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع وقيل المعنى : وكم من قرية حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا وقيل : أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا والبأس : هو العذاب وحكي عن الفراء أنه إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت فيكون المعنى : وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها مثل دنا فقرب وقرب فدنا ﴿ بياتا ﴾ أي ليلا لأنه يبات فيه يقال : بات يبيت بيتا وبياتا وهو مصدر واقع موقع الحال : أي بائتين قوله :﴿ أو هم قائلون ﴾ معطوف على بياتا : أي بائتين أو قائلين وجاءت الجملة الحالية بدون واو استثقالا لاجتماع الواوين واو العطف وواو الحال هكذا قال الفراء واعترضه الزجاج فقال : هذا خطأ بل لا يحتاج إلى الواو تقول : جاءني زيد راكبا أو هو ماش لأن في الجملة ضميرا قد عاد إلى الأول وأو في هذا الموضع للتفصيل لا للشك والقيلولة هي نوم نصف النهار وقيل : هي مجرد الاستراحة في ذلك الوقت لشدة الحر من دون نوم وخص الوقتين لأنهما وقت السكون والدعة فمجيء العذاب فيهما أشد وأفظع