قوله ٨ - ﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ﴾ قد تقدم تفسيرها في النساء وصيغة المبالغة في ﴿ قوامين ﴾ تفيد أنهم مأمورون بأن يقوموا بها أتم قيام ﴿ لله ﴾ أي لأجله تعظيما لأمره وطمعا في ثوابه والقسط : العدل وقد تقدم الكلام على قوله :﴿ يجرمنكم ﴾ مستوفى : أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل وكتم الشهادة ﴿ اعدلوا هو ﴾ أي العدل المدلول عليه بقوله : اعدلوا ﴿ أقرب للتقوى ﴾ التي أمرتم بها غير مرة : أي أقرب لأن تتقوا الله أو لأن تتقوا النار
قوله : ٩ - ﴿ لهم مغفرة وأجر عظيم ﴾ هذه الجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني لقوله :﴿ وعد ﴾ على معنى وعدهم أن لهم مغفرة أو وعدهم مغفرة فوقعت الجملة موقع المفرد فأغنت عنه ومثله قول الشاعر :
( وجدنا الصالحين لهم جزاء
وجنات وعينا سلسبيلا )
قوله : ١٠ - ﴿ أصحاب الجحيم ﴾ أي ملابسوها
قوله : ١١ - ﴿ إذ هم قوم ﴾ ظرف لقوله :﴿ اذكروا ﴾ أو للنعمة أو لمحذوف وقع حالا منها :﴿ أن يبسطوا ﴾ أي بأن يبسطوا وقوله :﴿ فكف ﴾ معطوف على قوله :﴿ هم ﴾ وسيأتي بيان سبب نزول هذه الآية وبه يتضح المعنى
وقد أخرج ابن جرير والطبراني في الكبير عن ابن عباس في قوله :﴿ إذ قلتم سمعنا وأطعنا ﴾ يعني حيث بعث الله النبي صلى الله عليه و سلم وأنزل عليه الكتاب قالوا : آمنا بالنبي والكتاب وأقررنا بما في التوراة فذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : النعم الآلاء ﴿ وميثاقه الذي واثقكم به ﴾ قال الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ﴾ الآية قال : نزلت في يهود خيبر ذهب إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يستفتيهم في دية فهموا أن يقتلوه فذلك قوله :﴿ ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ﴾ الآية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نزل منزلا فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها فعلق النبي صلى الله عليه و سلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من يمنعك مني ؟ قال : الله قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا
من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه و سلم يقول : الله فشام الأعرابي السيف فدعا النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه ] قال معمر : وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه و سلم فأرسلوا هذا الأعرابي ويتأول ﴿ اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ﴾ الآية وأخرج الحاكم وصححه عنه بنحوه وذكر أن اسم الرجل غورث بن الحارث وأنه [ لما قال النبي صلى الله عليه و سلم : الله سقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم وقال : من يمنعك مني ؟ قال : كن خير آخذ قال : فشهد أن لا إله إلا الله ] وأخرجه أيضا ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل عنه وأخرج ابن نعيم في الدلائل عن ابن عباس : أن بني النضير هموا أن يطرحوا حجرا على النبي صلى الله عليه و سلم ومن معه فجاء جبريل فأخبره بما هموا فقام ومن معه فنزلت :﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ﴾ الآية وروي نحو هذا من طرق عن غيره وقصة الأعرابي وهو غورث المذكور ثابتة في الصحيح
الصفحة التالية