قوله : ٨٦ - ﴿ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ﴾ الصراط الطريق : أي لا تقعدوا بكل طريق توعدون الناس بالعذاب قيل : كانوا يقعدون في الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويقولون : إنه كذاب فلا تذهب إليه كما كانت قريش تفعله مع النبي صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وغيرهم وقيل : المراد القعود على طرق الدين ومنع من أراد سلوكها وليس المراد به القعود على الطرق حقيقة ويؤيده ﴿ وتصدون عن سبيل الله من آمن به ﴾ وقيل : المراد بالآية النهي عن قطع الطريق وأخذ السلب وكان ذلك من فعلهم وقيل : إنهم كانوا عشارين يأخذون الجباية في الطرق من أموال الناس فنهوا عن ذلك والقول الأول أقربها إلى الصواب مع أنه لا مانع من حمل النهي على جميع هذه الأقوال المذكورة وجملة توعدون في محل نصب على الحال وكذلك ما عطف عليها : أي لا تقعدوا بكل طريق موعدين لأهله صادين عن سبيل الله باغين لها عوجا والمراد بالصد عن سبيل الله : صد الناس عن الطريق الذي قعدوا عليه ومنعهم من الوصول إلى شعيب فإن سلوك الناس في ذلك السبيل للوصول إلى نبي الله هو سلوك سبيل الله و ﴿ من آمن به ﴾ مفعول ﴿ تصدون ﴾ والضمير في آمن به يرجع إلى الله أو إلى سبيل الله أو إلى كل صراط أو إلى شعيب ﴿ وتبغونها عوجا ﴾ أي تطلبون سبيل الله أن تكون معوجة غير مستقيمة وقد سبق الكلام على العوج قال الزجاج : كسر العين في المعاني وفتحها في الإحرام ﴿ واذكروا إذ كنتم ﴾ أي وقت كنتم ﴿ قليلا ﴾ عددكم ﴿ فكثركم ﴾ بالنسل وقيل : كنتم فقراء فأغناكم ﴿ وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ﴾ من الأمم الماضية فإن الله أهلكهم وأنزل بهم من العقوبات ما ذهب بهم ومحا أثرهم
٨٧ - ﴿ وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به ﴾ إليكم من الأحكام التي شرعها الله لكم ﴿ وطائفة ﴾ منكم ﴿ لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ﴾ هذا من باب التهديد والوعيد الشديد لهم وليس هو من باب الأمر بالصبر على الكفر وحكم الله بين الفريقين هو نصر المحقين على المبطلين ومثله قوله تعالى :﴿ فتربصوا إنا معكم متربصون ﴾ أو هو أمر للمؤمنين بالصبر على ما يحل بهم من أذى الكفار حتى ينصرهم الله عليهم
٨٨ - ﴿ قال الملأ الذين استكبروا من قومه ﴾ أي قال : الأشراف المستكبرون ﴿ لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك ﴾ لم يكتفوا بترك الإيمان والتمرد عن الإجابة إلى ما دعاهم إليه بل جاوزوا ذلك بغيا وبطرا وأشرا إلى توعد نبيهم ومن آمن به بالإخراج من قريتهم أو عوده هو ومن معه في ملتهم الكفرية : أي لا بد من أحد الأمرين : إما الإخراج أو العود قال الزجاج : يجوز أن يكون العود بمعنى الابتداء يقال : عاد إلي من فلان مكروه : أي صار وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك فلا يرد ما يقال : كيف يكون شعيب على ملتهم الكفرية من قبل أن يبعثه الله رسولا ؟ ويحتاج إلى الجواب بتغليب قومه المتبعين له عليه في الخطاب بالعود إلى ملتهم وجملة ﴿ قال أو لو كنا كارهين ﴾ مستأنفة جواب عن سؤال مقدر والهمزة لإنكار وقوع ما طلبوه من الإخراج أو العود والواو للحال : أي أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا للعود إليها أو أتخرجوننا من قريتكم في حال كراهتنا للخروج منها أو في حال كراهتنا للأمرين جميعا والمعنى : إنه ليس لكم أن تكرهونا على أحد الأمرين ولا يصح لكم ذلك فإن المكره لا اختيار له ولا تعد موافقته مكرها موافقة ولا عوده إلى ملتكم مكرها عودا وبهذا التقرير يندفع ما استشكله كثير من المفسرين في هذا المقام حتى تسبب عن ذلك تطويل ذيول الكلام