أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم أن يقول للكفار هذا المعنى وسواء قاله بهذه العبارة أو غيرها قال ابن عطية : ولو كان كما قال الكسائي إنه في مصحف عبد الله بن مسعود ( قل للذين كفروا إن تنتهوا ) يعني بالتاء المثناة من فوق لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها وقال في الكشاف : أي قل لأجلهم هذا القول وهو ٣٨ - ﴿ إن ينتهوا ﴾ ولو كان بمعنى خاطبهم لقيل إن تنتهوا يغفر لكم وهي قراءة ابن مسعود ونحوه ﴿ وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ﴾ خاطبوا به غيرهم لأجلهم ليسمعوه : أي إن ينتهوا عما هم عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقتاله بالدخول في الإسلام ﴿ يغفر لهم ما قد سلف ﴾ لهم من العداوة انتهى وقيل معناه : إن ينتهوا عن الكفر قال ابن عطية : والحامل على ذلك جواب الشرط بـ ﴿ يغفر لهم ما قد سلف ﴾ ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر وفي هذه الآية دليل على أن الإسلام يجب ما قبله ﴿ وإن يعودوا ﴾ إلى القتال والعداوة أو إلى الكفر الذي هم عليه ويكون العود بمعنى الاستمرار ﴿ فقد مضت سنة الأولين ﴾ هذه العبارة مشتملة على الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله : أي قد مضت سنة الله فيمن فعل مثل فعل هؤلاء من الأولين من الأمم أن يصيبه بعذاب فليتوقعوا مثل ذلك
٣٩ - ﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ﴾ أي كفر وقد تقدم تفسير هذا في البقرة مستوفى ﴿ فإن انتهوا ﴾ عما ذكر ﴿ فإن الله بما يعملون بصير ﴾ لا يخفى عليه ما وقع منهم من الانتهاء
٤٠ - ﴿ وإن تولوا ﴾ عما أمروا به من الانتهاء ﴿ فاعلموا ﴾ أيها المؤمنون ﴿ بل الله مولاكم ﴾ أي ناصركم عليهم ﴿ نعم المولى ونعم النصير ﴾ فمن والاه فاز ومن نصره غلب
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ فقد مضت سنة الأولين ﴾ قال : في قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك وأخرج أحمد ومسلم عن [ عمرو بن العاص قال : لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : أبسط يدك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي وقال : ما لك ؟ قلت : أردت أن أشترط قال : تشترط ماذا ؟ قلت : أن تستغفر لي قال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ ] وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها ] وقد فسر كثير من السلف قوله تعالى :﴿ فقد مضت سنة الأولين ﴾ بما مضى في الأمم المتقدمة من عذاب من قاتل الأنبياء وصمم على الكفر وقال السدي ومحمد بن إسحاق : المراد بالآية يوم بدر وفسر جمهور السلف الفتنة المذكورة هنا بالكفر وقال محمد بن إسحاق : بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ﴿ حتى لا تكون فتنة ﴾ حتى لا يفتن مسلم عن دينه