قوله : ٤٥ - ﴿ إذا لقيتم فئة ﴾ اللقاء الحرب والفئة الجماعية : أي إذا حاربتم جماعة من المشركين ﴿ فاثبتوا ﴾ لهم ولا تجبنوا عنهم وهذا لا ينافي الرخصة المتقدمة في قوله :﴿ إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ﴾ فإن الأمر بالثبات هو في حال السعة والرخصة هي في حال الضرورة وقد لا يحصل الثبات إلا بالتحرف والتحيز ﴿ واذكروا الله ﴾ أي اذكروا الله عند جزع قلوبكم فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد وقيل المعنى : اثبتوا بقلوبكم واذكروا بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان قيل : وينبغي أن يكون الذكر في هذه الحالة بما قاله أصحاب طالوت ﴿ ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ﴾ وفي الآية دليل على مشروعية الذكر في جميع الأحوال حتى في هذه الحالة التي ترجف فيها القلوب وتزيع عندها البصائر
ثم نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس وهم قريش فإنهم خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التي مع أبي سفيان ومعهم القيان والمعازف فلما بلغوا الجحفة بلغهم أن العير قد نجت وسلمت فلم يرجعوا بل قالوا : لا بد لهم من الوصول إلى بدر ليشربوا الخمر وتغني لهم القيان وتسمع العرب بمخرجهم فكان ذلك منهم بطرا وأشرا وطلبا للثناء من الناس وللتمدح إليهم والفخر عندهم وهو الرياء قيل والبطر في اللغة : التقوي بنعم الله على معاصيه وهو مصدر في موضع الحال : أي خرجوا بطرين مرائين وقيل : هو مفعول له وكذا رياء : أي خرجوا للبطر والرياء وقوله :﴿ ويصدون ﴾ معطوف على بطرا والمعنى كما تقدم : أي خرجوا بطرين مرائين صادين عن سبيل الله أو للصدر عن سبيل الله والصد : إضلال الناس والحيلولة بينهم وبين طرق الهداية ويجوز أن يكون ويصدون معطوفا على يخرجون والمعنى : يجمعون بين الخروج على تلك الصفة والصد ﴿ والله بما يعملون محيط ﴾ لا تخفى عليه من أعمالهم خافية فهو مجازيهم عليها


الصفحة التالية
Icon