قوله : ٥٥ - ﴿ إن شر الدواب ﴾ أي شر ما يدب على وجه الأرض ﴿ عند الله ﴾ أي في حكمه ﴿ الذين كفروا ﴾ أي المصرون على الكفر المتمادون في الضلال ولهذا قال :﴿ فهم لا يؤمنون ﴾ أي إن هذا شأنهم لا يؤمنون أبدا ولا يرجعون عن الغواية أصلا وجعلهم شر الدواب لا شر الناس إيماء إلى انسلاخهم عن الإنسانية ودخولهم في جنس غير الناس من أنواع الحيوان لعدم تعقلهم لما فيه رشادهم
قوله : ٥٦ - ﴿ الذين عاهدت منهم ﴾ بدل من الذين كفروا أو عطف بيان أو في محل نصب على الذم والمعنى : أن هؤلاء الكافرين الذين هم شر الدواب عند الله هم هؤلاء الذين عاهدت منهم : أي أخذت منهم عهدهم ﴿ ثم ﴾ هم ﴿ ينقضون عهدهم ﴾ الذي عاهدتم ﴿ في كل مرة ﴾ من مرات المعاهدة ﴿ و ﴾ الحال أنـ ﴿ وهم لا يتقون ﴾ النقض ولا يخافون عاقبته ولا يتجنبون أسبابه وقيل إن من في قوله :﴿ منهم ﴾ للتبعيض ومفعول عاهدت محذوف : أي الذين عاهدتهم وهم بعض أولئك الكفرة : يعني الأشراف منهم وعطف المستقبل وهو ثم ينقضون على الماضي وهو عاهدت للدلالة على استمرار النقض منهم وهؤلاء هم قريظة عاهدهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا يعينوا الكفار فلم يفوا بذلك كما سيأتي
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالشدة والغلظة عليهم فقال :﴿ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم ﴾ أي فإما تصادفنهم في ثقاف وتلقاهم في حالة تقدر عليهم فيها وتتمكن من غلبهم ﴿ فشرد بهم من خلفهم ﴾ أي ففرق بقتلهم والتنكيل بهم من خلفهم من المحاربين لك من أهل الشرك حتى يهابوا جانبك ويكفوا عن حربك مخافة أن ينزل بهم ما نزل بهؤلاء والثقاف في أصل اللغة : ما يشد به القناة أو نحوها ومنه قول النابغة :

( تدعو قعيبا وقد غص الحديد بها غص الثقاف على ضم الأنابيب )
يقال : ثقفته : وجدته وفلان ثقف : سريع الوجود لما يحاوله والتشريد : التفريق مع الاضطراب وقال أبو عبيدة :﴿ شرد بهم ﴾ سمع بهم وقال الزجاج : افعل بهم فعلا من القتل تفرق به من خلفهم يقال : شردت بني فلان : قلعتهم عن مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها قال الشاعر :
( أطوف في الأباطح كل يوم مخافة أن يشردني حكيم )
ومنه شرد البعير : إذا فارق صاحبه وروي عن ابن مسعود أنه قرأ :( فشرذ بهم ) بالذال المعجمة قال قطرب : التشريذ بالذال المعجمة هو التنكيل وبالمهملة هو التفريق وقال المهدي : الذال المعجمة لا وجه لها إلا أن تكون بدلا من الدال المهملة لتقاربهما قال : ولا يعرف فشرذ في اللغة وقرئ ﴿ من خلفهم ﴾ بكسر الميم والفاء


الصفحة التالية
Icon