والفاء في ٦٩ - ﴿ فكلوا مما غنمتم ﴾ لترتيب ما بعدها على سبب محذوف : أي قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم ويجوز أن تكون عاطفة على مقدر محذوف : أي اتركوا الفداء فكلوا مما غنمتم من غيره وقيل إن ﴿ ما ﴾ عبارة عن الفداء : أي كلوا من الفداء الذي غنمتم فإنه من جملة الغنائم التي أحلها الله لكم و ﴿ حلالا طيبا ﴾ منتصبان على الحال أو صفة المصدر المحذوف : أي أكلا حلالا طيبا ﴿ واتقوا الله ﴾ فيما يستقبل فلا تقدموا على شيء لم يأذن الله لكم به ﴿ إن الله غفور ﴾ لما فرط منكم ﴿ رحيم ﴾ بكم فلذلك رخص لكم في أخذ الفداء في مستقبل الزمان
وقد أخرج أحمد عن أنس قال :[ استشار النبي صلى الله عليه و سلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال : إن الله قد أمكنم منهم فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه و سلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس فقام عمر فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه و سلم ثم عاد فقال مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق فقال : يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فأنزل الله :﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ الآية ] وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال :[ لما كان يوم بدر جيء بالأسارى وفيهم العباس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما تريدون في هؤلاء الأسارى ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك فاستبقهم لعل الله أن يتوب عليهم وقال عمر : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأضرمه
عليهم نارا فقال العباس وهو يسمع : قطعت رحمك فدخل النبي صلى الله عليه و سلم عليهم ولم يرد عليهم شيئا فقال أناس : يأخذ بقول أبي بكر وقال أناس : يأخذ بقول عمر وقال قوم : يأخذ بقول عبد الله بن رواحة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال :﴿ من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾ ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام قال :﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ ومثلك يا عمر مثل نوح عليه السلام إذ قال :﴿ رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ﴾ ومثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام إذ قال :﴿ ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ﴾ أنتم عالة فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق فقال عبد الله : يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إلا سهيل بن بيضاء
فأنزل الله :﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ﴾ الآية ] وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي قال :[ قال النبي صلى الله عليه و سلم في الأسارى يوم بدر : إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم فكان آخر السبعين ثابت بن قيس استشهد باليمامة ] وأخرج عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة عن عبيدة نحوه وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر قال :[ لما أسر الأسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسره أسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه فقال له عمر : فآتيهم ؟ قال : نعم فأتى عمر الأنصار فقال : أرسلوا العباس فقالوا : لا والله لا نرسل فقال لهم عمر : فإن كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم رضا قالوا : فإن كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم رضا فخذه فأخذه عمر فلما صار في يده قال له : يا عباس أسلم فوالله إن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبه إسلامك قال : فاستشار رسول الله أبا بكر فقال أبو بكر : عشيرتك فأرسلهم فاستشار عمر فقال : اقتلهم ففاداهم رسول الله فأنزل الله :﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى ﴾ الآية ] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ حتى يثخن في الأرض ﴾ يقول حتى يظهروا على الأرض وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : الإثخان هو القتل وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد أيضا في الآية قال : ثم نزلت الرخصة بعد إن شئت فمن وإن شئت ففاد وأخرج ابن المنذر عن قتادة ﴿ تريدون عرض الدنيا ﴾ قال : أراد أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم يوم بدر الفداء ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ﴿ تريدون عرض الدنيا ﴾ قال : الخراج وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ لولا كتاب من الله سبق ﴾ قال : سبق لهم المغفرة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : ما سبق لأهل بدر من السعادة وأخرج النسائي وابن مردويه وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية وأخرج أبو حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : سبق أن لا يعذب أحدا حتى يبين له ويتقدم إليه


الصفحة التالية
Icon