قوله : ٦ - ﴿ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ﴾ يقال : استجرت فلانا : أي طلبت أن يكون جارا : محاميا ومحافظا من أن يظلمني ظالم أو يتعرض لي متعرض وأحد مرتفع بفعل مقدر يفسره المذكور بعده : أي وإن استجارك أحد استجارك وكرهوا الجمع بين المفسر والمفسر والمعنى : وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم فأجره : أي كن جارا له مؤمنا محاميا ﴿ حتى يسمع كلام الله ﴾ منك ويتدبره حق تدبره ويقف على حقيقة ما تدعو إليه ﴿ ثم أبلغه مأمنه ﴾ أي إلى الدار التي يأمن فيها بعد أن يسمع كلام الله إن لم يسلم ثم بعد أن تبلغه مأمنه قاتله فقد خرج من جوارك ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه ووجوب قتله حيث يوجد والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم من الأمر بالإجارة وما بعده ﴿ بأنهم قوم لا يعلمون ﴾ أي بسبب فقدانهم للعلم النافع المميز بين الخير والشر في الحال والمآل
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ إلا الذين عاهدتم ﴾ قال : هم قريش وأخرج أيضا عن قتادة قال : هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر فأمر نبيه أن يوفي بعهدهم هذا إلى مدتهم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن عباد بن جعفر في قوله :﴿ إلا الذين عاهدتم ﴾ قال : هم بنو جذيمة بن عامر من بني بكر بن كنانة وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ﴾ قال : كان بقي لبني مذحج وخزاعة عهد فهو الذي قال الله :﴿ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ﴾ وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله :﴿ إلا الذين عاهدتم من المشركين ﴾ قال : هؤلاء بنو ضمرة وبنو مدلج من بني كنانة كانوا حلفاء للنبي صلى الله عليه و سلم في غزوة العشيرة من بطن ينبع ﴿ ثم لم ينقصوكم شيئا ﴾ ثم لم ينقصوا عهدكم بغدر ﴿ ولم يظاهروا عليكم أحدا ﴾ قال : لم يظاهروا عدوكم عليكم ﴿ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ﴾ يقول : أجلهم الذي شرطتم لهم ﴿ إن الله يحب المتقين ﴾ يقول : الذين يتقون الله فيما حرم عليهم فيوفون بالعهد قال : فلم يعاهد النبي صلى الله عليه و سلم بعد هؤلاء الآيات أحدا وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله :﴿ فإذا انسلخ الأشهر الحرم ﴾ قال : هي الأربعة : عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الآخر قلت : مراد السدي أن هذه الأشهر تسمى حرما لكون تأمين المعاهدين فيها يستلزم تحريم القتال لا أنها الأشهر الحرم المعروفة وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : هي عشر من ذي القعدة وذي الحجة والمحرم سبعون ليلة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : هي الأربعة الأشهر التي قال :﴿ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ﴾ وأخرج ابن المنذر عن قتادة نحو قول السدي السابق وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله :﴿ فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ ثم نسخ واستثنى فقال :﴿ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ﴾ وقال :﴿ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ﴾ وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ﴾ يقول : من جاءك واستمع ما تقول واستمع ما أنزل إليك فهو آمن حين يأتيك فيسمع كلام الله حتى يبلغ مأمنه من حيث جاء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله :﴿ ثم أبلغه مأمنه ﴾ قال : إن لم يوافقه ما يقص عليه ويخبر به فأبلغه مأمنه وهذا ليس بمنسوخ وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله :﴿ حتى يسمع كلام الله ﴾ أي كتاب الله وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة قال : كان الرجل يجيء إذا سمع كتاب الله وأقر به وأسلم فذاك الذي دعي إليه وإن أنكر ولم يقر به رد مأمنه ثم نسخ ذلك فقال :﴿ وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ﴾


الصفحة التالية
Icon