قوله : ١٣ - ﴿ ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ﴾ الهمزة الداخلة على حرف النفي للاستفهام التوبيخي مع ما يستفاد منها من التحضيض على القتال والمبالغة في تحققه والمعنى : أن من كان حاله كحال هؤلاء من نقض العهد وإخراج الرسول من مكة والبداءة بالقتال فهو حقيق بأن لا يترك قتاله وأن يوبخ من فرط في ذلك : ثم زاد في التوبيخ فقال :﴿ أتخشونهم ﴾ فإن هذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع : أي تخشون أن ينالكم منهم مكروه فتتركون قتالهم لهذه الخشية ثم بين ما يجب أن يكون الأمر عليه فقال :﴿ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ﴾ أي هو أحق بالخشية منكم فإنه الضار النافع بالحقيقة ومن خشيتكم له أن تقاتلوا من أمركم بقتاله فإن قضية الإيمان توجب ذلك عليكم
ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال : ١٤ - ﴿ قاتلوهم ﴾ ورتب على هذا الأمر فوائد : الأولى : تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر والثانية : إخزاؤهم قيل بالأسر وقيل بما نزل بهم من الذل والهوان والثالثة : نصر المسلمين عليهم وغلبتهم لهم والرابعة : أن الله يشفي بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن لم يشهد القتال ولا حضره
والخامسة : أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر فإن قيل : شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون تكرارا قيل في الجواب : إن القلب أخص من الصدر وقيل : إن شفاء الصدر إشارة إلى الوعد بالفتح ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيهما شفاء للصدر وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها ثم قال :﴿ ويتوب الله على من يشاء ﴾ وهو ابتداء كلام يتضمن الإخبار بما سيكون وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم وهذا على قراءة الرفع في يتوب وهي قراءة الجمهور : وقرئ بنصب يتوب بإضمار أن ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى قرأ بذلك ابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي والأعرج فإن قيل : كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة ؟ وأجيب أن القتال قد يكون سببا لها إذا كانت من جهة الكفار وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سببا لخلوص النية والتوبة عن الذنوب


الصفحة التالية
Icon