قوله : ٢٦ - ﴿ ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ﴾ : هم الذين لم ينهزموا وقيل الذين انهزموا والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا قوله :﴿ وأنزل جنودا لم تروها ﴾ هم الملائكة
وقد اختلف في عددهم على أقوال : قيل خمسة آلاف وقيل ثمانية آلاف وقيل ستة عشر ألفا وقيل غير ذلك وهذا لا يعرف إلا من طريق النبوة واختلفوا أيضا هل قاتلت الملائكة في هذا اليوم أم لا ؟ وقد تقدم أن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر وأنهم إنما حضروا في غير بدر لتقوية قلوب المؤمنين وإدخال الرعب في قلوب المشركين ﴿ وعذب الذين كفروا ﴾ بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية والإشارة بقوله :﴿ وذلك ﴾ إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمي ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بد من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم وتعظيما له
٢٧ - ﴿ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ﴾ أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام ﴿ والله غفور ﴾ يغفر لمن أذنب فتاب ﴿ رحيم ﴾ بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : حنين ما بين مكة والطائف قاتل نبي الله هوازن وثقيف وعلى هوازن مالك بن عوف وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال :[ لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا : الآن نقاتل حين اجتمعنا فكره رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد منهم على أحد حتى جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ينادي أحياء العرب : إلي إلي فوالله ما يعرج عليه أحد حتى أعرى موضعه فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية فناداهم : يا أنصار الله وأنصار رسوله إلي عباد الله أنا رسول الله فجثوا يبكون وقالوا : يا رسول الله ورب الكعبة إليك والله فنكسوا رؤوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى فتح الله عليهم ] وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع [ أن رجلا قال يوم حنين : لن نغلب من قلة فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله :﴿ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ﴾ قال الربيع : وكانوا إثني عشر ألفا منهم ألفان من أهل مكة ] وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ورسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلته البيضاء يمضي قدما فقال : ناولني كفا من تراب فناولته فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا وولى المشركون أدبارهم ووقعة حنين مذكورة في كتب السير والحديث بطولها وتفاصيلها فلا نطول بذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله :﴿ وأنزل جنودا لم تروها ﴾ قال : هم الملائكة ﴿ وعذب الذين كفروا ﴾ قال : قتلهم بالسيف وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : في يوم حنين أمد الله رسوله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال : فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم قال : رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل النجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك أنها الملائكة ولم تكن إلا هزيمة القوم


الصفحة التالية
Icon