ثم لما قالوا هذا القول أمر الله رسوله صلى الله عليه و سلم بأن يجيب عليهم بقوله : ٥١ - ﴿ لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ﴾ أي في اللوح المحفوظ أو في كتابه المنزل علينا وفائدة هذا الجواب أن الإنسان إذا علم أن ما قدره الله كائن وأن كل ما ناله من خير أو شر إنما هو بقدر الله وقضائه هانت عليه المصائب ولم يجد مرارة شماتة الأعداء وتشفي الحسدة ﴿ هو مولانا ﴾ أي ناصرنا وجاعل العاقبة لنا ومظهر دينه على جميع الأديان والتوكل على الله تفويض الأمور إليه والمعنى : أن من حق المؤمنين أن يجعلوا توكلهم مختصا بالله سبحانه لا يتوكلون على غيره وقرأ طلحة بن مصرف ﴿ يصيبنا ﴾ بتشديد الياء وقرأ أعين قاضي الري يصيبنا بنون مشددة وهو لحن لأن الخبر لا يؤك ورد بمثل قوله تعالى :﴿ هل يذهبن كيده ما يغيظ ﴾ وقال الزجاج : معناه لا يصيبنا إلا ما اختصنا الله من النصرة عليكم أو الشهادة
وعلى هذا القول يكون قوله : ٥٢ - ﴿ قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ﴾ تكريرا لغرض التأكيد والأول أولى حتى يكون كل واحد من الجوابين اللذين أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عليهم بهما مفيدا لفائدة غير فائدة الآخر والتأسيس خير من التأكيد ومعنى ﴿ هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ﴾ هل تنتظرون بنا إلا إحدى الخصلتين الحسنيين : إما النصرة أو الشهادة وكلاهما مما يحسن لدينا والحسنى تأنيث الأحسن ومعنى الاستفهام التقريع والتوبيخ ﴿ ونحن نتربص بكم ﴾ إحدى المساءتين لكم : إما ﴿ أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ﴾ أي قارعة نازلة من السماء فيسحتكم بعذابه ﴿ أو ﴾ بعذاب لكم ﴿ بأيدينا ﴾ أي بإظهار الله لنا عليكم بالقتل والأسر والنهب والسبي والفاء في فتربصوا فصيحة والأمر للتهديد كما في قوله :﴿ ذق إنك أنت العزيز الكريم ﴾ أي تربصوا بنا ما ذكرنا من عاقبتنا فنحن معكم متربصون ما هو عاقبتكم فستنظرون عند ذلك ما يسرنا يسوءكم وقرأ البزي وابن فليح هل تربصون بإظهار اللام وتشديد التاء وقرأ الكوفيون بإدغام اللام في التاء وقرأ الباقون بإظهار اللام وتخفيف التاء
قوله : ٥٣ - ﴿ قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ﴾ هذا الأمر معناه الشرط والجزاء لأن الله سبحانه لا يأمرهم بما لا يتقبله منهم والتقدير : إن أنفقتم طائعين أو مكرهين فلن يتقبل منكم وقيل هو أمر في معنى الخبر : أي أنفقتم طوعا أو كرها لن يتقبل منكم فهو كقوله :﴿ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ﴾ وفيه الإشعار بتساوي الأمرين في عدم القبول وانتصاب طوعا أو كرها على الحال فهما مصدران في موقع المشتقين : أي أنفقوا طائعين في غير أمر من الله ورسوله أو مكرهين بأمر منهما وسمي الأمر منهما إكراها لأنهم منافقون لا يأتمرون بالأمر فكانوا بأمرهم الذي لا يأتمرون به كالمكرهين على الإنفاق أو طائعين من غير إكراه من رؤسائكم أو مكرهين منهم وجملة ﴿ إنكم كنتم قوما فاسقين ﴾ تعليل لعدم قبول إنفاقهم والفسق : التمرد والعتو وقد سبق بيانه لغة وشرعا


الصفحة التالية
Icon