ثم بين لهم ما يكون آخر أمرهم بعد الحياة الدنيا فقال : ٤ - ﴿ إليه مرجعكم جميعا ﴾ وفي هذا من التهديد والتخويف ما لا يخفى وانتصاب ﴿ وعد الله ﴾ على المصدر لأن في قوله :﴿ إليه مرجعكم جميعا ﴾ معنى الوعد أو هو منصوب بفعل مقدر والمراد بالمرجع الرجوع إليه سبحانه إما بالموت أو بالبعث أو بكل واحد منهما ثم أكد ذلك الوعد بقوله :﴿ حقا ﴾ فهو تأكيد لتأكيد فيكون في الكلام من الوكادة ما هو الغاية في ذلك وقرأ ابن أبي عبلة ﴿ وعد الله حق ﴾ على الاستئناف ثم علل سبحانه ما تقدم بقوله :﴿ إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ أي إن هذا شأنه يبتدئ خلقه من التراب ثم يعيده إلى التراب أو معنى الإعادة الجزاء يوم القيامة قال مجاهد : ينشئه ثم يميته ثم يحييه للبعث وقيل : ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال وقرأ يزيد بن القعقاع :﴿ إنه يبدأ الخلق ﴾ بفتح الهمزة فتكون الجملة في موضع نصب بما نصب به وعد الله : أي وعدكم أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق وأجاز الفراء أن تكون أن في موضع رفع فتكون اسما قال أحمد بن يحيى بن ثعلب يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق ثم ذكر غاية ما يترتب على الإعادة فقال :﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ﴾ أي بالعدل الذي لا جور فيه ﴿ والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ﴾ يحتمل أن يكون الموصول الآخر معطوفا على الموصول الأول : أي ليجزي الذين آمنوا ويجزي الذين كفروا وتكون جملة ﴿ لهم شراب من حميم ﴾ في محل نصب على الحال هي وما عطف عليها : أي وعذاب أليم ويكون التقدير هكذا ويجزي الذين كفروا حال كون لهم هذا الشراب وهذا العذاب ولكن يشكل على ذلك أن هذا الشراب وهذا العذاب الأليم هما من الجزاء ويمكن أن يقال : إن الموصول في ﴿ والذين كفروا ﴾ مبتدأ وما بعده خبره فلا يكون معطوفا على المعطوف الأول والباء في ﴿ بما كانوا يكفرون ﴾ للسببية : أي بسبب كفرهم والحميم : الماء الحار وكل مسخن عند العرب فهو حميم
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ الر ﴾ قال : فواتح أسماء من أسماء الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه عنه قال : في قوله :﴿ الر ﴾ أنا الله أرى وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك مثله أيضا وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله :﴿ تلك آيات الكتاب ﴾ قال : يعني هذه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ تلك آيات الكتاب ﴾ قال : الكتب التي خلت قبل القرآن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد فأنزل الله :﴿ أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ﴾ الآية ﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ﴾ الآية فلما كرر الله سبحانه عليهم الحج قالوا : وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة ﴿ لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ يقول : أشرف من محمد يعنون الوليد بن المغيرة من مكة ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف فأنزل الله ردا عليهم :﴿ أهم يقسمون رحمة ربك ﴾ الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله :﴿ وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ﴾ قال : ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال : أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه [ عن ابن مسعود قال : القدم هو العمل الذي قدموا قال الله سبحانه :﴿ ونكتب ما قدموا وآثارهم ﴾ والآثار ممشاهم قال : مشى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أسطوانتين من مسجدهم ثم قال : هذا أثر مكتوب ] وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري في قوله :﴿ قدم صدق ﴾ قال : محمد صلى الله عليه و سلم يشفع لهم وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب مثله وأخرج الحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال : سلف صدق والروايات عن التابعين وغيرهم في هذا كثيرة وقد قدمنا أكثرها وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ يدبر الأمر ﴾ قال : يقضيه وحده وفي قوله :﴿ إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ﴾ قال : يحييه ثم يميته ثم يحييه


الصفحة التالية
Icon