لما بين فضائح المشركين أتبعها بإيراد الحجج الدامغة من أحوال الرزق والحواس والموت والحياة والابتداء والإعادة والإرشاد والهدى وبنى سبحانه الحج على الاستفهام وتفويض الجواب إلى المسؤولين ليكون أبلغ في إلزام الحجة وأوقع في النفوس فقال : ٣١ - ﴿ قل ﴾ يا محمد للمشركين احتجاجا لحقية التوحيد وبطلان ما هم عليه من الشرك ﴿ من يرزقكم من السماء والأرض ﴾ من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات والمعادن فإن اعترفوا حصل المطلوب وإن لم يعترفوا فلا بد أن يعترفوا بأن الله هو الذي خلقهما ﴿ أمن يملك السمع والأبصار ﴾ أم هي المنقطعة وفي هذا انتقال من سؤال إلى سؤال وخص السمع والبصر بالذكر لما فيهما من الصنعة العجيبة والقدرة الباهرة العظيمة : أي من يستطيع ملكهما وتسويتهما على هذه الصفة العجيبة والخلقة الغريبة حتى ينتفعوا بهما هذا الانتفاع العظيم ويحصلون بهما من الفوائد ما لا يدخل تحت حصر الحاصرين ثم انتقل إلى حجة ثالثة فقال :﴿ ومن يخرج الحي من الميت ﴾ الإنسان من النطفة والطير من البيضة والنبات من الحبة أو المؤمن من الكافر ﴿ ويخرج الميت من الحي ﴾ أي النطفة من الإنسان أو الكافر من المؤمن والمراد من هذا الاستفهام عمن يحيي ويميت ثم انتقل إلى حجة رابعة فقال :﴿ ومن يدبر الأمر ﴾ أي يقدره ويقضيه وهذا من عطف العام على الخاص لأنه قد عم ما تقدم وغيره ﴿ فسيقولون الله ﴾ أي سيكون قولهم في جواب هذه الاستفهامات إن الفاعل لهذه الأمور هو الله سبحانه إن أنصفوا وعملوا على ما يوجبه الفكر الصحيح والعقل السليم وارتفاع الاسم الشريف على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي الله يفعل ذلك ثم أمره الله سبحانه بعد أن يجيبوا بهذا الجواب أن يقول لهم ﴿ أفلا تتقون ﴾ والاستفهام للإنكار والفاء للعطف على مقدر : أي تعلمون ذلك أفلا تتقون وتفعلون ما يوجبه هذا العلم من تقوى الله الذي يفعل هذه الأفعال