قوله : ٢٩ - ﴿ ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ﴾ فيه التصريح منه عليه السلام بأنه لا يطلب على تبليغ الرسالة مالا حتى يكون بذلك محلا للتهمة ويكون لقول الكافرين مجال بأنه إنما ادعى ما ادعى طلبا للدنيا والضمير في عليه راجع إلى ما قاله لهم فيما قبل هذا وقوله :﴿ وما أنا بطارد الذين آمنوا ﴾ كالجواب عما يفهم من قولهم :﴿ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ﴾ من التلميح منهم إلى إبعاد الأراذل عنه وقيل إنهم سألوه طردهم تصريحا لا تلميحا ثم علل ذلك بقوله :﴿ إنهم ملاقوا ربهم ﴾ أي لا أطردهم فإنهم ملاقون يوم القيامة ربهم فهو يجازيهم على إيمانهم لأنهم طلبوا بإيمانهم ما عنده سبحانه وكأنه قال هذا على وجه الإعظام لهم ويحتمل أنه قاله خوفا من مخاصمتهم له عند ربهم بسبب طرده لهم ثم بين لهم ما هم عليه في هذه المطالب التي طلبوها منه والعلل التي اعتلوا بها عن إجابته فقال :﴿ ولكني أراكم قوما تجهلون ﴾ كل ما ينبغي أن يعلم ومن ذلك استرذالهم للذين اتبعوه وسؤالهم له أن يطردهم
ثم أكد عدم جواز طردهم بقوله : ٣٠ - ﴿ ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم ﴾ أي يمنعني من عذاب الله وانتقامه إن طردتهم ؟ فإن طردهم بسبب سبقهم إلى الإيمان والإجابة إلى الدعوة التي أرسل الله رسوله لأجلها ظلم عظيم لا يقع من أنبياء الله المؤيدين بالعصمة ولو وقع ذلك منهم فرضا وتقديرا لكان فيه من الظلم ما لا يكون لو فعله غيرهم من سائر الناس وقوله :﴿ أفلا تذكرون ﴾ معطوف على مقدر كأنه قيل : أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل بما ذكر أفلا تذكرون من أحوالهم ما ينبغي تذكره وتتفكرون فيه حتى تعرفوا ما أنتم عليه من الخطأ وما هم عليه من الصواب