ثم إنه لما علم تصميمهم على الفاحشة وأنهم لا يتركون ما قد طلبوه ٨٠ - ﴿ قال لو أن لي بكم قوة ﴾ وجواب لو محذوف والتقدير : لدافعتكم عنهم ومنعتكم منهم وهذا منه عليه السلام على طريق التمني : أي لو وجدت معينا وناصرا فسمى ما يتقوى به قوة ﴿ أو آوي إلى ركن شديد ﴾ عطف على ما بعد لو لما فيه من معنى الفعل والتقدير : لو قويت على دفعكم أو آويت إلى ركن شديد وقرئ أو آوى بالنصر عطفا على قوة كأنه قال : لو أن لي بكم قوة أو إيواء إلى ركن شديد ومراده بالركن الشديد : العشيرة وما يمتنع به عنهم هو ومن معه وقيل أراد بالقوة الولد وبالركن الشديد : من ينصره من غير ولده وقيل أراد بالقوة : قوته في نفسه
ولما سمعته الملائكة يقول هذه المقالة ووجدوا قومه قد غلبوه وعجز عن مدافعتهم ٨١ - ﴿ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ﴾ أخبروه أولا أنهم رسل ربه ثم بشروه بقوله :﴿ لن يصلوا إليك ﴾ وهذه الجملة موضحة ما قبلها لأنهم إذا كانوا مرسلين من عند الله إليه لم يصل عدوه إليه ولم يقدروا عليه ثم أمروه أن يخرج عنهم فقالوا له :﴿ فأسر بأهلك بقطع من الليل ﴾ قرأ نافع وابن كثير بالوصل وقرأ غيرهما بالقطع وهما لغتان فصيحتان قال الله تعالى :﴿ والليل إذا يسر ﴾ وقال :﴿ سبحان الذي أسرى ﴾ وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال :

( حي النضير وربة الخدر أسرت عليه ولم تكن تسري )
وقيل : إن أسرى للمسير من أول الليل وسرى للمسير من آخره والقطع من الليل : الطائفة منه قال ابن الأعرابي : بقطع من الليل : بساعة منه وقال الأخفش : بجنح من الليل وقيل : بظلمة من الليل وقيل : بعد هدو من الليل قيل : إن السرى لا يكون إلا في الليل فما وجه زيادة بقطع من الليل ؟ قيل : لو لم يقل بقطع من الليل لجاز أن يكون في أوله قبل اجتماع الظلمة وليس ذلك بمراد ﴿ ولا يلتفت منكم أحد ﴾ أي لا ينظر إلى ما وراءه أو يشتغل بما خلفه من مال أو غيره قيل : وجه النهي عن الالتفات أن لا يروا عذاب قومهم وهول ما نزل بهم فيرحموهم ويرقوا لهم أو لئلا ينقطعوا عن السير المطلوب منهم بما يقع من الالتفات فإنه لا بد للملتفت من فترة في سيره ﴿ إلا امرأتك ﴾ بالنصب على قراءة الجمهور وقرأ أبو عمرو وابن كثير بالرفع على البدل فعلى القراءة الأولى امرأته مستثناة من قوله :﴿ فأسر بأهلك ﴾ أي أسر بأهلك جميعا إلا امرأتك فلا تسر بها فـ ﴿ إنه مصيبها ما أصابهم ﴾ من العذاب وهو رميهم بالحجارة لكونها كانت كافرة وأنكر قراءة الرفع جماعة منهم أبو عبيد وقال : لا يصح ذلك إلا برفع يلتفت ويكون نعتا لأن المعنى يصير إذا أبدلت وجزمت أن المرأة أبيح لها الالتفات وليس المعنى كذلك قال النحاس : وهذا العمل من أبي عبيد وغيره على مثل أبي عمرو مع جلالته ومحله من العربية لا يجب أن يكون والرفع على البدل له معنى صحيح وهو أن يكون استثناء من النهي عن الالتفات : أي لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها تلتفت وتهلك وقيل : إن الرفع على البدل من أحد ويكون الالتفات بمعنى التخلف لا بمعنى النظر إلى الخلف فكأنه قال : ولا يتخلف منكم أحد إلا امرأتك فإنها تتخلف والملجئ إلى هذا التأويل البعيد الفرار من تناقض القراءتين والضمير في ﴿ إنه مصيبها ما أصابهم ﴾ للشأن والجملة خبر إن ﴿ إن موعدهم الصبح ﴾ هذه الجملة تقليل لما تقدم من الأمر بالإسراء والنهي عن الالتفات والمعنى : أن موعد عذابهم الصبح المسفر عن تلك الليلة والاستفهام في ﴿ أليس الصبح بقريب ﴾ للإنكار التقريري والجملة تأكيد للتعليل وقرأ عيسى بن عمر أليس الصبح بضم الباء وهي لغة ولعل جعل الصبح ميقاتا لهلاكهم لكون النفوس فيه أسكن والناس فيه مجتمعون لم يتفرقوا إلى أعمالهم


الصفحة التالية
Icon