وجملة ٨٨ - ﴿ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ﴾ مستأنفة كالجمل التي قبلها والمعنى : أخبروني إن كنت على حجة واضحة من عند ربي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ﴿ ورزقني منه ﴾ أي من فضله وخزائن ملكه ﴿ رزقا حسنا ﴾ أي كثيرا واسعا حلالا طيبا وقد كان عليه السلام كثير المال وقيل : أراد بالرزق النبوة وقيل الحكمة وقيل العلم وقيل التوفيق وجواب الشرط محذوف يدل عليه سياق الكلام تقديره : أترك أمركم ونهيكم أو أتقولون في شأني ما تقولون مما تريدون به السخرية والاستهزاء ﴿ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ﴾ أي وما أريد بنهيي لكم عن التطفيف والبخس أن أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه فأفعله دونكم يقال : خالفه إلى كذا إذا قصده وهو مول عنه وخالفته عن كذا في عكس ذلك ﴿ إن أريد إلا الإصلاح ﴾ أي ما أريد بالأمر والنهي إلا لإصلاح لكم ودفع الفساد في دينكم ومعاملاتكم ﴿ ما استطعت ﴾ ما بلغت إليه استطاعتي وتمكنت منه طاقتي ﴿ وما توفيقي إلا بالله ﴾ أي ما صرت موفقا هاديا نبيا مرشدا إلا بتأييد الله سبحانه وإقداري عليه ومنحي إياه ﴿ عليه توكلت ﴾ في جميع أموري التي منها أمركم ونهيكم ﴿ وإليه أنيب ﴾ أي أرجع في كل ما نابني من الأمور وأفوض جميع أموري إلى ما يختاره لي من قضائه وقدره وقيل معناه : وإليه أرجع في الآخرة وقيل : إن الإنابة الدعاء ومعناه : وله أدعوا
قوله : ٨٩ - ﴿ ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ﴾ قال الزجاج : معناه لا يكسبنكم شقاقي إصابة العذاب إياكم كما أصاب من كان قبلكم وقيل معناه : لا يحملنكم شقاقي والشقاق العداوة ومنه قول الأخطل :

( ألا من مبلغ عني رسولا فكيف وجدتم طعم الشقاق )
و ﴿ أن يصيبكم ﴾ في محل نصب على أنه مفعول ثان ليجرمنكم ﴿ مثل ما أصاب قوم نوح ﴾ من الغرق ﴿ أو قوم هود ﴾ من الريح ﴿ أو قوم صالح ﴾ من الصيحة وقد تقدم تفسير يجرمنكم وتفسير الشقاق ﴿ وما قوم لوط منكم ببعيد ﴾ يحتمل أن يريد ليس مكانهم ببعيد من مكانكم أو ليس زمانهم ببعيد من زمانكم أو ليسوا ببعيد منكم في السبب الموجب لعقوبتهم وهو مطلق الكفر وأفرد لفظ ﴿ بعيد ﴾ لمثل ما سبق في ﴿ وما هي من الظالمين ببعيد ﴾


الصفحة التالية
Icon