لما فرغ الله سبحانه من أقاصيص الكفرة وبيان حال السعداء والأشقياء سلى رسوله صلى الله عليه و سلم بشرح أحوال الكفرة من قومه في ضمن النهي له عن الامتراء في أن ما يعبدونه غير نافع ولا ضار ولا تأثير له في شيء وحذف النون في لا تك لكثرة الاستعمال والمرية : الشك والإشارة بهؤلاء إلى كفار عصره صلى الله عليه و سلم وقيل المعنى : لا تك في شك من بطلان ما يعبد هؤلاء وقيل : لا تك في شك من سوء عاقبتهم ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني وهذا النهي له صلى الله عليه و سلم هو تعريض لغيره ممن يداخله شيء من الشك فإنه صلى الله عليه و سلم لا يشك في ذلك أبدا ثم بين له سبحانه أن معبودات هؤلاء كمعبودات آبائهم أو أن عبادتهم كعبادة آبائهم من قبل وفي هذا استثناء تعليل للنهي عن الشك والمعنى : أنهم سواء في الشرك بالله وعبادة غيره فلا يكن في صدرك حرج مما تراه من قومك فهم كمن قبلهم من طوائف الشرك وجاء بالمضارع في كما يعبد آباؤهم لاستحضار الصورة ثم بين له أنه مجازيهم بأعمالهم فقال :﴿ وإنا لموفوهم نصيبهم ﴾ من العذاب كما وفينا آباءهم لا ينقص من ذلك شيء وانتصاب غير الحال والتوفية لا تستلزم عدم النقص فقد يجوز أن يوفى وهو ناقص كما يجوز أن يوفى وهو كامل وقيل : المراد نصيبهم من الرزق وقيل : ما هو أعم من الخير والشر
١١٠ - ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب ﴾ أي التوراة ﴿ فاختلف فيه ﴾ أي في شأنه وتفاصيل أحكامه فآمن به قوم وكفر به آخرون وعمل بأحكامه قوم وترك العمل ببعضها آخرون فلا يضق صدرك يا محمد بما وقع من هؤلاء في القرآن ﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ﴾ أي لولا أن الله سبحانه قد حكم بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لما علم في ذلك من الصلاح لقضي بينهم : أي بين قومك أو بين قوم موسى فيما كانوا فيه مختلفين فأثيب المحق وأعذب المبطل أو الكلمة هي أن رحمته سبحانه سبقت غضبه فأمهلهم ولم يعاجلهم لذلك وقيل : إن الكلمة هي أنهم لا يعذبون بعذاب الاستئصال وهذا من جملة التسلية له صلى الله عليه و سلم ثم وصفهم بأنهم في شك من الكتاب فقال :﴿ وإنهم لفي شك منه مريب ﴾ أي من القرآن إن حمل على قوم محمد صلى الله عليه و سلم أو من التوراة إن حمل على قوم موسى عليه السلام والمريب : الموقع في الريبة