قوله : ٦٥ - ﴿ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ﴾ أي لو أن المتمسكين بالكتاب وهم اليهود والنصارى على أن التعريف للجنس ﴿ آمنوا ﴾ الإيمان الذي طلبه الله منهم ومن أهم الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم كما أمروا بذلك في كتب الله المنزلة عليهم ﴿ واتقوا ﴾ المعاصي التي من أعظمها ما هم عليه من الشرك بالله والجحود لما جاء به رسول الله ﴿ لكفرنا عنهم سيئاتهم ﴾ التي اقترفوها وإن كانت كثيرة متنوعة وقيل المعنى : لوسعنا عليهم في أرزاقهم
٦٦ - ﴿ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ﴾ أي أقاموا ما فيهما من الأحكام التي من جملتها الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم قوله :﴿ وما أنزل إليهم من ربهم ﴾ من سائر كتب الله التي من جملتها القرآن فإنها كلها وإن نزلت على غيرهم فهي في حكم المنزلة عليهم لكونهم متعبدين بما فيها ﴿ لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ ذكر فوق وتحت للمبالغة في تيسر أسباب الرزق لهم وكثرتها وتعدد أنواعها قوله :﴿ منهم أمة مقتصدة ﴾ جواب سؤال مقدر كأنه قيل هل جميعهم متصفون بالأوصاف السابقة أو البعض دون البعض والمقتصدون منهم هم المؤمنون كعبد الله بن سلام ومن تبعه وطائفة من النصارى ﴿ وكثير منهم ساء ما يعملون ﴾ وهم المصرون على الكفر المتمردون عن إجابة محمد صلى الله عليه و سلم والإيمان بما جاء به
وقد أخرج ابن إسحاق والطبراني في الكبير وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس : إن ربك بخيل لا ينفق فأنزل الله :﴿ وقالت اليهود يد الله مغلولة ﴾ الآية وأخرج أبو الشيخ عنه أنها نزلت في فنحاص اليهودي وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وقالت اليهود يد الله مغلولة ﴾ أي بخيلة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ﴾ قال : حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه وهم يجدونه مكتوبا عندهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ كلما أوقدوا نارا للحرب ﴾ قال : حرب محمد صلى الله عليه و سلم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية : كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرقه الله وأطفأ حدهم ونارهم وقذف في قلوبهم الرعب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله :﴿ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ﴾ قال : آمنوا بما أنزل على محمد واتقوا ما حرم الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ﴾ قال : العمل بهما وأما ما أنزل إليهم فمحمد صلى الله عليه و سلم وما أنزل عليه وأما ﴿ لأكلوا من فوقهم ﴾ فأرسلت عليهم مطرا وأما ﴿ من تحت أرجلهم ﴾ يقول أنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم ﴿ منهم أمة مقتصدة ﴾ وهم مسلمة أهل الكتاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ لأكلوا من فوقهم ﴾ يعني لأرسل عليهم السماء مدرارا ﴿ ومن تحت أرجلهم ﴾ قال : تخرج الأرض من بركتها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال : الأمة المقتصدة : الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا قال : والعلو الرغبة والفسق التقصير عنه وأخرج أبو الشيخ عن السدي ﴿ أمة مقتصدة ﴾ يقول مؤمنة وأخرج ابن مردويه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا أحمد بن يونس الضبي حدثنا عاصم بن علي حدثنا أبو معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر حديثا قال : ثم حدثهم النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ تفرقت أمة موسى على اثنتين وسبعين ملة واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار وتفرقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين ملة واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار تعلو أمتي على الفريقين جميعا ملة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون منها في النار قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : الجماعات الجماعات ] قال يعقوب بن زيد : كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم تلا فيه قرآنا قال :﴿ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ﴾ إلى قوله :﴿ منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ﴾ وتلا أيضا :﴿ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ﴾ يعني أمة محمد صلى الله عليه و سلم قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره لهذا الحديث ما لفظه : وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروي من طرق عديدة قد ذكرناها في موضع آخر انتهى قلت : أما زيادة كونها في النار إلا واحدة فقد ضعفها جماعة من المحدثين بل قال ابن حزم إنها موضوعة