قوله : ٧٠ - ﴿ لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ﴾ كلام مبتدأ لبيان بعض أفعالهم الخبيثة وقد تقدم في البقرة بيان معنى الميثاق ﴿ وأرسلنا إليهم رسلا ﴾ ليعرفوهم بالشرائع وينذروهم ﴿ كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ﴾ جملة شرطية وقعت جوابا لسؤال ناس من الأحبار بإرسال الرسل كأنه قيل : ماذا فعلوا بالرسل ؟ وجواب الشرط محذوف : أي عصوه وقوله :﴿ فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ﴾ جملة مستأنفة أيضا جواب عن سؤال ناس عن الجواب الأول كأنه قيل : كيف فعلوا بهم ؟ فقيل فريقا منهم كذبوهم ولم يتعرضوا لهم بضرر وفريقا آخر منهم قتلوهم وإنما قال :﴿ وفريقا يقتلون ﴾ لمراعاة رؤوس الآي فمن كذبوه عيسى وأمثاله من الأنبياء وممن قتلوه زكريا ويحيى
قوله : ٧١ - ﴿ وحسبوا أن لا تكون فتنة ﴾ أي حسب هؤلاء الذين أخذ الله عليهم الميثاق أن لا يقع من الله عز و جل ابتلاء واختبار بالشدائد اغترارا بقولهم :﴿ نحن أبناء الله وأحباؤه ﴾ قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ﴿ تكون ﴾ بالرفع على أن هي المخففة من الثقيلة وحسب بمعنى علم لأن أن معناها التحقيق وقرأ الباقون بالنصب على أن ناصبة للفعل وحسب بمعنى الظن قال النحاس : والرفع عند النحويين في حسبت وأخواتها أجواد ومثله :

( ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي )
قوله :﴿ فعموا وصموا ﴾ أي عموا عن إبصار الهدى وصموا عن استماع الحق وهذه إشارة إلى ما وقع من بني إسرائيل في الابتداء من مخالفة أحكام التوراة وقتل شعيا ثم تاب الله عليهم حين تابوا فكشف عنهم القحط ﴿ ثم عموا وصموا كثير منهم ﴾ وهذا إشارة إلى ما وقع منهم بعد التوبة من قتل يحيى بن زكريا وقصدهم لقتل عيسى وارتفاع ﴿ كثير ﴾ على البدل من الضمير في الفعلين قال الأخفش : كما تقول رأيت قومك ثلاثتهم وإن شئت كان على إضمار مبتدأ : أي العمي والصم كثير منهم ويجوز أن يكون كثير مرتفعا على الفاعلية على لغة من قال : أكلوني البراغيث ومنه قول الشاعر :
( ولكن دفافي أبوه وأمه بحوران يعصرن السليط أقاربه )
وقرئ ﴿ عموا وصموا ﴾ بالبناء للمفعول : أي أعماهم الله وأصمهم


الصفحة التالية
Icon