أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم أن يقول لهم هذا القول إلزاما لهم وقطعا لشبهتهم : أي أتعذبون من دون الله متجاورين إياه ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ؟ بل هو عبد مأمور وما جرى على يده من النفع أو دفع من الضر فهو بإقدار الله له وتمكينه منه وأما هو فهو يعجز عن أن يملك لنفسه شيئا من ذلك فضلا عن أن يملكه لغيره ومن كان لا ينفع ولا يضر فكيف تتخذونه إلها وتعبدونه وأي سبب يقتضي ذلك ؟ والمراد هنا المسيح عليه السلام وقدم سبحانه الضر على النفع لأن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح ٧٦ - ﴿ والله هو السميع العليم ﴾ أي كيف تعبدون ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والحال أن الله هو السميع العليم ومن كان كذلك فهو القادر على الضر والنفع لإحاطته بكل مسموع ومعلوم ومن جملة ذلك مضاركم ومنافعكم
قوله : ٧٧ - ﴿ تغلوا في دينكم ﴾ لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة نهاهم عن الغلو في دينهم وهو المجاوزة للحد كإثبات الإلهية لعيسى كما يقوله النصارى أو حطه عن مرتبته العلية كما يقوله اليهود فإن كل ذلك من الغلو المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط واختيارهما على طريق الصواب ﴿ وغير ﴾ منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف : أي غلوا غير غلو الحق وأما الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه واستخراج حقائقه فليس بمذموم وقيل إن النصب على الاستثناء المتصل وقيل على المنقطع ﴿ ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ﴾ وهم أسلاف أهل الكتاب من طائفتي اليهود والنصارى : أي قبل البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ﴿ وأضلوا كثيرا ﴾ من الناس ﴿ وضلوا عن سواء السبيل ﴾ أي عن قصدهم طريق محمد صلى الله عليه و سلم بعد البعثة والمراد أن أسلافهم ضلوا من قبل البعثة وأضلوا كثيرا من الناس إذ ذاك وضلوا من بعد البعثة إما بأنفسهم أو جعل ضلال من أضلوه ضلالا لهم لكونهم سنوا لهم ذلك ونهجوه لهم وقيل المراد بالأول كفرهم بما يقتضيه العقل وبالثاني كفرهم بما يقتضيه الشرع


الصفحة التالية
Icon