٩ - ﴿ اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا ﴾ أي قالوا : افعلوا به أحد الأمرين : إما القتل أو الطرح في أرض أو المشير بالقتل بعضه والمشير بالطرح البعض الآخر أو كان المتكلم بذلك واحد منهم فوافقه الباقون فكانوا كالقائل في نسبة هذا المقول إليهم وانتصاب أرضا على الظرفية والتنكير للإبهام : أي أرضا مجهولة وجواب الأمر ﴿ يخل لكم وجه أبيكم ﴾ أي يصف ويخلص فيقبل عليكم ويحبكم حبا كاملا ﴿ وتكونوا ﴾ معطوف على يخل ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن ﴿ من بعده ﴾ أي من بعد يوسف والمراد بعد الفراغ من قتله أو طرحه وقيل من بعد الذنب الذي اقترفوه في يوسف ﴿ قوما صالحين ﴾ في أمور دينكم وطاعة أبيكم أو صالحين في أمور دنياكم لذهاب ما كان يشغلكم عن ذلك وهو الحسد ليوسف وتكدر خواطركم بتأثيره عليكم هو وأخوه أو المراد بالصالحين : التائبون من الذنب
١٠ - ﴿ قال قائل منهم ﴾ أي من الإخوة قيل هو يهوذا وقيل روبيل وقيل شمعون ﴿ لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب ﴾ قيل ووجه الإظهار في لا تقتلوا يوسف استجلاب شفقتهم عليه قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة وأهل الشام في غيابة الجب بالإفراد وقرأ أهل المدينة في غيابات بالجمع واختار أبو عبيد الإفراد وأنكر الجمع لأن الموضع الذي ألقوه فيه واحد قال النحاس : وهذا تضييق في اللغة وغيابات على الجمع تجوز والغيابة كل شيء غيب عنك شيئا وقيل للقبر غيابة والمراد بها هنا غور البئر الذي لا يقع البصر عليه أو طاقة فيه قال الشاعر :

( ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث إلى ذا كما قد غيبتني غيابيا )
والجب : البئر التي لم تطو ويقال لها قبل الطي ركية فإذا طويت قيل لها بئر سميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا وجمع الجب جبب وجباب وأجباب وجمع بين الغيابة والجب مبالغة في أن يلقوه في مكان من الجب شديد الظلمة حتى لا يدركه نظر الناظرين قيل وهذه البئر ببيت المقدس وقيل بالأردن وجواب الأمر ﴿ يلتقطه بعض السيارة ﴾ قرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة تلتقطه بالمثناة الفوقية ووجهه أن بعض السيارة سيارة وحكي عن سيبويه سقطت بعض أصابعه ومنه قول الشاعر :
( أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال )
وقرأ الباقون يلتقطه بالتحتية والسيارة : الجمع الذي يسيرون في الطريق والالتقاط : هو أخذ شيء مشرف على الضياع وكأنهم أرادوا أن بعض السيارة إذا التقطه حمله إلى مكان بعيد بحيث يخفى عن أبيه ومن يعرفه ولا يحتاجون إلى الحركة بأنفسهم إلى المكان البعيد فربما أن والدهم لا يأذن لهم بذلك ومعنى ﴿ إن كنتم فاعلين ﴾ إن كنتم عاملين بما أشرت به عليكم في أمره كأنه لم يجزم بالأمر وبل وكله إلى ما يجمعون عليه كما يفعله المشير مع من استشاره وفي هذا دليل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء فإن الأنبياء لا يجوز عليهم التواطؤ على القتل لمسلم ظلما وبغيا وقيل كانوا أنبياء وكان ذلك منهم زلة قدم وأوقعهم فيها التهاب نار الحسد في صدورهم واضطرام جمرات الغيظ في قلوبهم ورد بأن الأنبياء معصومون عن مثل هذه المعصية الكثيرة المتبالغة في الكبر مع ما في ذلك من قطع الرحم وعقوق الوالد وافتراء الكذب وقيل إنهم لم يكونوا في ذلك الوقت أنبياء بل صاروا أنبياء من بعد
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله :﴿ آيات للسائلين ﴾ قال عبرة وأخرج أيضا عن قتادة في الآية يقول : من سأل عن ذلك فهو هكذا ما قص الله عليكم وأنبأكم به وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال : إنما قص الله على محمد صلى الله عليه و سلم خبر يوسف وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه لما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم من بغي قومه عليه وحسدهم إياه حين أكرمه الله بنبوته ليتأسى به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله :﴿ إذ قالوا ليوسف وأخوه ﴾ يعني بنيامين هو أخوه لأبيه وأمه وفي قوله ﴿ ونحن عصبة ﴾ قال : العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد قال : العصبة الجماعة ﴿ إن أبانا لفي ضلال مبين ﴾ قال : لفي خطأ من رأيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في قوله :﴿ قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ﴾ قال : قاله كبيرهم الذي تخلف قال : والجب بئر بالشام ﴿ يلتقطه بعض السيارة ﴾ قال : التقطه ناس من الأعراب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ وألقوه في غيابة الجب ﴾ يعني الركية وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال الجب البئر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ قال : هي بئر ببيت المقدس يقول في بعض نواحيها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : الجب بحذاء طبرية بينه وبينها أميال


الصفحة التالية
Icon