ثم بين سبحانه ما يستحقونه فقال ٣٤ - ﴿ لهم عذاب في الحياة الدنيا ﴾ بما يصابون به من القتل والأسر وغير ذلك ﴿ ولعذاب الآخرة أشق ﴾ عليهم من عذاب الحياة الدنيا ﴿ وما لهم من الله من واق ﴾ يقيهم عذابه ولا عاصم يعصمهم منه
ثم لما ذكر سبحانه ما يستحقه الكفار من العذاب في الأولى والأخرى ذكر ما أعده للمؤمنين فقال ٣٥ - ﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ﴾ أي صفتها العجيبة الشأن التي هي في الغرابة كالمثل قال ابن قتيبة : المثل الشبه في أصل اللغة ثم قد يصير بمعنى صورة الشيء وصفته يقال مثلت لك كذا : أي صورته ووصفته فأراد هنا بمثل الجنة صورتها وصفتها ثم ذكرها فقال :﴿ تجري من تحتها الأنهار ﴾ وهو كالتفسير للمثل قال سيبويه : وتقديره فيما قصصنا عليك مثل الجنة وقال الخليل وغيره : إن ﴿ مثل الجنة ﴾ مبتدأ والخبر ﴿ تجري ﴾ وقال الزجاج : إنه تمثيل للغائب بالشاهد ومعناه مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار وقيل إن فائدة الخبر ترجع إلى ﴿ أكلها دائم ﴾ أي لا ينقطع ومثله قوله سبحانه ﴿ لا مقطوعة ولا ممنوعة ﴾ وقال الفراء : المثل مقحم للتأكيد والمعنى : الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار والعرب تفعل ذلك كثيرا ﴿ وظلها ﴾ أي كذلك دائم لا يتقلص ولا تنسخه الشمس والإشارة بقوله ﴿ تلك ﴾ إلى الجنة الموصوفة بالصفات المتقدمة وهو متبدأ خبره ﴿ عقبى الذين اتقوا ﴾ أي عاقبة الذين اتقوا المعاصي ومنتهى أمرهم ﴿ وعقبى الكافرين النار ﴾ ليس لهم عاقبة ولا منتهى إلا ذلك
وقد أخرج الطبراني وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم : إن كان كما تقول فأرنا أشياخنا الأول من الموتى نكلمهم وافسح لنا هذه الجبال جبال مكة التي قد ضمتنا فنزلت ﴿ ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ﴾ الآية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عطية العوفي قال : قالوا لمحمد صلى الله عليه و سلم : لوس يبرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح أو أحييت لنا الموتى كما كان يحيي عيسى الموتى لقومه فأنزل الله ﴿ ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ﴾ الآية إلى قوله :﴿ أفلم ييأس الذين آمنوا ﴾ قال : أفلم يتبين الذين آمنوا قالوا : هل تروي هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قال : عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم وأخرجه أيضا ابن أبي حاتم قال : حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب بن الحرت أخبرنا بشر بن عمارة حدثنا عمر بن حسان عن عطية العوفي فذكره وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه مختصرا وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم في الدلائل وابن مردويه عن الزبير بن العوام في ذكر سبب نزول الآية نحو ما تقدم مطولا وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ بل لله الأمر جميعا ﴾ لا يصنع من ذلك إلا ما يشاء ولم يكن ليفعل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ أفلم ييأس ﴾ يقول يعلم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية ﴿ أفلم ييأس ﴾ قال : قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ولو شاء الله لهدى الناس جميعا وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ تصيبهم بما صنعوا قارعة ﴾ قال : السرايا وأخرج الطيالسي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه نحوه وزاد ﴿ أو تحل قريبا من دارهم ﴾ قال : أنت يا محمد حتى يأتي وعد الله قال : فتح مكة وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ قارعة ﴾ قال : نكبة وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي عنه قارعة قال : عذاب من السماء أو تحل قريبا من دارهم : يعني نزول رسول الله صلى الله عليه و سلم بهم وقتاله آباءهم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا في قوله :﴿ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ﴾ قال : يعني بذلك نفسه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء في الآية قال : الله تعالى قائم بالقسط والعدل على كل نفس وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ أم بظاهر من القول ﴾ قال : الظاهر من القول هو الباطل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله :﴿ مثل الجنة ﴾ قال : نعت الجنة ليس للجنة مثل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم التيمي في قوله :﴿ أكلها دائم ﴾ قال : لذاتها دائمة في أفوائهم


الصفحة التالية
Icon