١٦ - قوله :﴿ وجاؤوا أباهم عشاء يبكون ﴾ عشاء منتصب على الظرفية وهو آخر النهار وقيل في الليل ويبكون في محل نصب على الحال : أي باكين أو متباكين لأنهم لم يبكوا حقيقة بل فعلوا فعل من يبكي ترويجا لكذبهم وتنفيقا لمكرهم وغدرهم
فلما وصلوا إلى أبيهم ١٦ - ﴿ قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ﴾ أي نتسابق في العدو أو في الرمي وقيل ننتضل ويؤيده قراءة ابن مسعود ننتضل قال الزجاج : وهو نوع من المسابقة وقال الزهري : النضال في السهام والرهان في الخيل والمسابقة تجمعهما قال القشيري : نستبق أي في الرمي أو على الفرس أو على الأقدام والغرض من المسابقة التدرب بذلك في القتال ﴿ وتركنا يوسف عند متاعنا ﴾ أي عند ثيابنا ليحرسها ﴿ فأكله الذئب ﴾ الفاء للتعقيب : أي أكله عقب ذلك وقد اعتذروا عليه بما خافه سابقا عليه ورب كلمة تقول لصاحبها دعني ﴿ وما أنت بمؤمن لنا ﴾ بمصدق لنا في هذا العذر الذي أبدينا والكلمة التي قلناها ﴿ ولو كنا ﴾ عندك أو في الواقع ﴿ صادقين ﴾ لما قد علق بقلبك من التهمة لنا في ذلك مع شدة محبتك له قال الزجاج : والمعنى : ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا في هذه القضية لشدة محبتك ليوسف
وكذا ذكره ابن جرير وغيره ١٨ - ﴿ وجاؤوا على قميصه بدم كذب ﴾ على قميصه في محل نصب على الظرفية : أي جاءوا فوق قميصه بدم ووصف الدم بأنه كذب مبالغة كما هو معروف في وصف اسم العين باسم المعنى وقيل المعنى : بدم ذي كذب أو بدم مكذوب فيه وقرأ الحسن وعائشة بدم كدب بالدال المهملة : أي بدم طري يقال للدم الطري كدب وقال الشعبي : إنه المتغير والكذب أيضا البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اللونين وقد استدل يعقوب على كذبهم بصحة القميص وقال لهم : متى كان هذا الذئب حكيما يأكل يوسف ولا يخرق القميص ؟ ثم ذكر الله سبحانه ما أجاب به يعقوب عليهم فقال ﴿ قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ﴾ أي زينت وسهلت قال النيسابوري : التسويل تقرير في معنى النفس مع الطمع في تمامه وهو تفعيل من السول وهو الأمنية قال الأزهري : وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمزة ﴿ فصبر جميل ﴾ قال الزجاج : أي فشأني أو الذي أعتقده صبر جميل وقال قطرب : أي فصبري صبر جميل وقيل فصبر جميل أولى بي قيل والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه قال الزجاج : قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف فصبرا جميلا قال : وكذا في مصحف أنس قال المبرد : فصبر جميل بالرفع أولى من النصب لأن المعنى : قال رب عندي صبر جميل وإنما النصب على المصدر أي فلأصبرن صبرا جميلا قال الشاعر :
( شكا إلي جملي طول السرى | صبرا جميلا فكلانا مبتلى ) |
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ﴾ قال : نسعى وننشط ونلهو وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والسلفي في الطيوريات عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ لا تلقنوا الناس فيكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس فلما لقنهم أبوهم كذبوا فقالوا أكله الذئب ] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ وأوحينا إليه ﴾ الآية قال : أوحي إلى يوسف وهو في الجب لتنبئن إخوتك بما صنعوا وهم لا يشعرون بذلك الوحي وأخرج هؤلاء عن قتادة قال : أوحى الله إليه وحيا وهو في الجب أن سينبئهم بما صنعوا وهم : أي إخوته لا يشعرون بذلك الوحي فهون ذلك الوحي عليه ما صنع به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ وهم لا يشعرون ﴾ قال : لم يعلموا بوحي الله إليه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون جيء بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه دونكم وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب فأتيتم أباكم فقلتم : إن الذئب أكله وجئتم على قميصه بدم كذب فقال بعضهم لبعض : إن هذا الجام ليخبره بخبركم فقال ابن عباس : فلا نرى هذه الآية نزلت إلا في ذلك لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي بكر بن عياش قال : كان يوسف في الجب ثلاثة أيام وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ﴿ وما أنت بمؤمن لنا ﴾ قال : بمصدق لنا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وجاؤوا على قميصه بدم كذب ﴾ قال : كان دم سخلة وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ﴿ وجاؤوا على قميصه بدم كذب ﴾ قال : لما أتي يعقوب بقميص يوسف فلم ير فيه خرقا قال : كذبتم لو كان كما تقولون أكله الذئب لخرق القميص وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ بل سولت لكم أنفسكم أمرا ﴾ قال : أمرتكم أنفسكم وأخرج ابن جرير وابن أبي جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ﴿ بل سولت لكم أنفسكم أمرا ﴾ يقول : بل زينت لكم أنفسكم أمرا ﴿ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ﴾ أي على ما تكذبون وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حبان بن أبي حبلة قال :[ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قوله :﴿ فصبر جميل ﴾ قال : لا شكوى فيه من بث لم يصبر ] وهو من طريق هشيم عن عبد الرحمن عن حبان بن أبي حبلة وهو مرسل وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ فصبر جميل ﴾ قال : ليس في جزع