قوله : ٤٢ - ﴿ ولا تحسبن ﴾ خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وهو تعريض لأمته فكأنه قال : ولا تحسب أمتك يا محمد ويجوز أن يكون خطابا لكل من يصلح له من المكلفين وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم من غير تعريض لأمته فمعناه التثبيت على ما كان عليه من عدم الحسبان كقوله :﴿ ولا تكونن من المشركين ﴾ ونحوه وقيل المراد : ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ولكن معاملة الرقيب عليهم أو يكون المراد بالنهي عن الحسبان الإيذان بأنه عالم بذلك لا تخفى عليه منه خافية وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه و سلم وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم بل سنة الله سبحانه في إمهال العصاة ﴿ إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ﴾ أي يؤخر جزاءهم ولا يؤاخذهم بظلمهم وهذه الجملة تعليل للنهي السابق وقرأ الحسن والسلمي وهو رواية عن أبي عمرو بالنون في نؤخرهم وقرأ الباقون بالتحتية واختارها أبو عبيد وأبو حاتم لقوله ﴿ ولا تحسبن الله ﴾ ومعنى ﴿ ليوم تشخص فيه الأبصار ﴾ أي ترفع فيه أبصار أهل الموقف ولا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم هكذا قال الفراء يقال : شخص الرجل بصره وشخص البصر نفسه إلى السماء من هول ما يرى والمراد أن الأبصار بقيت مفتوحة لا تتحرك من شدة الحيرة والدهشة
٤٣ - ﴿ مهطعين ﴾ أي مسرعين من أهطع يهطع إهطاعا : إذا أسرع وقيل المهطع : الذي ينظر في ذل وخشوع ومنه :

( بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماء )
وقيل المهطع : الذي يديم النظر قال أبو عبيدة : قد يكون الوجهان جميعا يعني الإسراع مع إدامة النظر وقيل المهطع الذي لا يرفع رأسه وقال ثعلب : المهطع الذي ينظر في ذل وخضوع وقيل هو الساكت قال النحاس : والمعروف في اللغة أهطع : إذا أسرع ﴿ مقنعي رؤوسهم ﴾ أي رافعي رؤوسهم وإقناع الرأس : رفعه وأقنع صوته : إذا رفعه والمعنى : أنهم يومئذ رافعون رؤوسهم إلى السماء ينظرون إليها نظر فزع وذل ولا ينظر بعضهم إلى بعض وقيل إن إقناع الرأس نكسه وقيل يقال أقنع : إذا رفع رأسه وأقنع : إذا طأطأ ذلة وخضوعا والآية محتملة للوجهين قال المبرد : والقول الأول أعرف في اللغة قال الشاعر :
( أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئا أطمعا )
﴿ لا يرتد إليهم طرفهم ﴾ أي لا ترجع إليهم أبصارهم وأصل الطرف : تحريك الأجفان وسميت العين طرفا لأنه يكون بها ومن إطلاق الطرف على العين قول عنترة :
( وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها )
﴿ وأفئدتهم هواء ﴾ الهواء في اللغة : المجوف الخالي الذي لم تشغله الأجرام والمعنى : أن قلوبهم خالية عن العقل والفهم لما شاهدوا من الفزع والحيرة والدهش وجعلها نفس الهوى مبالغة ومنه قيل للأحمق والجبان قلبه هواء : أي لا رأي فيه ولا قوة وقيل معنى الآية أنها خرجت قلوبهم عن مواضعها فصارت في الحناجر وقيل المعنى : إن أفئدة الكفار في الدنيا خالية عن الخير وقيل المعنى : وأفئدتهم ذات هواء ومما يقارب معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ﴾ أي خاليا من كل شيء إلا من هم موسى


الصفحة التالية
Icon