وجملة ١٣ - ﴿ لا يؤمنون به ﴾ في محل نصب على الحال من ضمير نسلكه : أي لا يؤمنون بالذكر الذي أنزلناه ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان ما قبلها فلا محل لها وقيل إن الضمير في نسلكه للاستهزاء وفي لا يؤمنون به للذكر وهو بعيد والأولى أن الضميرين للذكر ﴿ وقد خلت سنة الأولين ﴾ أي مضت طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حيث فعلوا ما فعلوا من التكذيب والاستهزاء وقال الزجاج : وقد مضت سنة الله في الأولين بأن سلك الكفر والضلال في قلوبهم
ثم حكى الله سبحانه إصرارهم على الكفر وتصميمهم على التكذيب والاستهزاء فقال : ١٤ - ﴿ ولو فتحنا عليهم ﴾ أي على هؤلاء المعاندين لمحمد صلى الله عليه و سلم المكذبين له المستهزئين به ﴿ بابا من السماء ﴾ أي من أبوابها المعهودة ومكناهم من الصعود إليه ﴿ فظلوا فيه ﴾ أي في ذلك الباب ﴿ يعرجون ﴾ يصعدون بآلة أو بغير آلة حتى يشاهدوا ما في السماء من عجائب الملكوت التي لا يجحدها جاحد ولا يعاند عند مشاهدتها معاند وقيل الضمير في فظلوا للملائكة : أي فظل الملائكة يعرجون في ذلك الباب والكفار يشاهدونهم وينظرون صعودهم من ذلك الباب
١٥ - ﴿ لقالوا ﴾ أي الكفار لفرط عنادهم وزيادة عتوهم ﴿ إنما سكرت أبصارنا ﴾ قرأ ابن كثير سكرت بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد وهو من سكر الشراب أو من السكر وهو سدها عن الإحساس يقال سكر النهر : إذا سده وحبسه عن الجري ورجح الثاني بقراءة التخفيف وقال أبو عمرو بن العلاء : سكرت غشيت وغطيت ومنه قول الشاعر :

( وطلعت شمس عليها مغفر وجعلت عين الجزور تسكر )
وبه قال أبو عبيد وأبو عبيدة وروي عن أبي عمرو أيضا أنه من سكر الشراب : أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشي السكران ما غطى عقله وقيل معنى سكرت حبست كما تقدم ومنه قول أوس بن حجر :
( فصرت على ليلة ساهره فليست بطلق ولا ساكره )
قال النحاس : وهذه الأقوال متقاربة ﴿ بل نحن قوم مسحورون ﴾ أضربوا عن قولهم سكرت أبصارنا ثم ادعوا أنهم مسحورون : أي سحرهم محمد صلى الله عليه و سلم وفي هذا بيان لعنادهم العظيم الذي لا يقلعهم عنه شيء من الأشياء كائنا ما كان فإنهم إذا رأوا آية توجب عليهم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله نسبوا إلى أبصارهم أن إدراكها غير حقيقي لعارض السكر أو أن عقولهم قد سحرت فصار إدراكهم غير صحيح ومن بلغ في التعنت إلى هذا الحد فلا تنفع فيه موعظة ولا يهتدي بآية
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ تلك آيات الكتاب ﴾ قال : التوراة والإنجيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في ﴿ تلك آيات الكتاب ﴾ قال : الكتب التي كانت قبل القرآن :﴿ وقرآن مبين ﴾ قال : مبين والله هداه ورشده وخيره وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾ قال : ود المشركون يوم بدر حين ضربت أعناقهم فعرضوا على النار أنهم كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه و سلم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال : هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السري في الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس قال : ما يزال الله يشفع ويدخل ويشفع ويرحم حتى يقول : من كان مسلما فليدخل الجنة فذلك قوله :﴿ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾ وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس وأنس أنهما تذاكرا هذه الآية ﴿ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾ فقالا : هذا حيث يجمع الله من أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار فيقول المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون فيغضب الله لهم فيخرجهم بفضله ورحمته وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند قال السيوطي صحيح عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إن ناسا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله من النار ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ﴿ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ﴾ ] وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي موسى الأشعري مرفوعا نحوه وأخرج إسحاق بن راهويه وابن حبان والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه أيضا وأخرج هناد بن السري والطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وفي الباب أحاديث في تعيين هذا السبب في نزول هذه الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله :﴿ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ﴾ الآية قال : هؤلاء الكفرة وأخرج أيضا عن أبي مالك في قوله :﴿ ذرهم ﴾ قال : خل عنهم وأخرج ابن جرير عن الزهري في قوله :﴿ ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ﴾ قال : نرى أنه إذا حضره أجله فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدم وأما ما لم يحضر أجله فإن الله يؤخر ما شاء ويقدم ما شاء قلت : وكلام الزهري هذا لا حاصل له ولا مفاد فيه وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله :﴿ يا أيها الذي نزل عليه الذكر ﴾ قال : القرآن وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ ما ننزل الملائكة إلا بالحق ﴾ قال : بالرسالة والعذاب وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله :﴿ وما كانوا إذا منظرين ﴾ قال : وما كانوا لو نزلت الملائكة بمنظرين من أن يعذبوا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في مجاهد ﴿ وإنا له لحافظون ﴾ قال : عندنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ في شيع الأولين ﴾ قال : أمم الأولين وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله :﴿ كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ﴾ قال : الشرك نسلكه في قلوب المشركين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة مثله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن الحسن مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ﴿ وقد خلت سنة الأولين ﴾ قال : وقائع الله فيمن خلا من الأمم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله :﴿ فظلوا فيه يعرجون ﴾ قال ابن جريج : قال ابن عباس : فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم لقالوا ﴿ إنما سكرت أبصارنا ﴾ قال : قريش تقوله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في الآية عن ابن عباس أيضا يقول : ولو فتحنا عليهم بابا من أبواب السماء فظلت الملائكة تعرج فيه يختلفون فيه ذاهبين وجائين لقال أهل الشرك : إنما أخذ أبصارنا وشبه علينا وإنما سحرنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد سكرت أبصارنا : قال سدت وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه قال : ومن قرأ ﴿ سكرت ﴾ مخففة فإنه يعني سحرت


الصفحة التالية
Icon