٣٧ - ﴿ قال فإنك من المنظرين ﴾ لما سأل الإنظار أجابه الله سبحانه إلى ما طلبه وأخبره بأنه من جملة ما أنظره ممن أخر آجالهم من مخلوقاته أو من جملة من أخر عقوبتهم بما اقترفوا
ثم بين سبحانه الغاية التي أمهله إليها فقال : ٣٨ - ﴿ إلى يوم الوقت المعلوم ﴾ وهو يوم القيامة فإن يوم الدين ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم كلها عبارات عن يوم القيامة وقيل المراد بالوقت المعلوم هو الوقت القريب من البعث فعند ذلك يموت
٣٩ - ﴿ قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ﴾ الباء للقسم وما مصدرية وجواب القسم لأزينن لهم : أي أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم في الأرض : أي ما داموا في الدنيا والتزيين منه إما بتحسين المعاصي لهم وإيقاعهم فيها أو يشغلهم بزينة الدنيا عن فعل ما أمرهم الله به فلا يلتفتون إلى غيرها وإقسامه ها هنا بإغواء الله له لا ينافي إقسامه في موضع آخر بعزة الله التي هي سلطانه وقهره لأن الإغراء له هو من جملة ما تصدق عليه العزة ﴿ ولأغوينهم أجمعين ﴾ أي لأضلنهم عن طريق الهدى وأوقعهم في طريق الغواية وأحملهم عليها
٤٠ - ﴿ إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ قرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بفتح اللام : أي الذين استخلصتهم من العباد وقرأ الباقون بكسر اللام : أي الذين أخلصوا لك العبادة فلم يقصدوا بها غيرك
٤١ - ﴿ قال هذا صراط علي مستقيم ﴾ أي حق علي أن أراعيه وهو أن لا يكون لك على عبادي سلطان قال الكسائي : هذا على الوعيد والتهديد كقولك لمن تهدده طريقك علي ومصيرك إلي وكقوله :﴿ إن ربك لبالمرصاد ﴾ فكأن معنى هذا الكلام هذا طريق مرجعه إلي فأجازي كلا بعمله وقيل على هنا بمعنى إلى وقيل المعنى على أن الصراط المستقيم بالبيان والحجة وقيل بالتوفيق والهداية وقرأ ابن سيرين وقتادة والحسن وقيس بن عباد وأبو رجاء وحميد ويعقوب ﴿ هذا صراط علي ﴾ على أنه صفة مشبهة ومعناه رفيع
٤٢ - ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ﴾ المراد بالعباد هنا هم المخلصون والمراد أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء ونحوهما فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه ﴿ إلا من اتبعك من الغاوين ﴾ استثنى سبحانه من عباده هؤلاء وهم المتبعون لإبليس من الغاوين عن طريق الحق الواقعين في الضلال وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله : لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ويمكن أن يقال : إن بين الكلامين فرقا فكلام الله سبحانه فيه نفي سلطان إبليس على جميع عباده إلا من اتبعه من الغاوين فيدخل في ذلك المخلصون وغيرهم ممن لم يتبع إبليس من الغاوين وكلام إبليس اللعين يتضمن إغواء الجميع إلا المخلصين فدخل فيهم من لم يكن مخلصا ولا تابعا لإبليس غاويا والحاصل أن بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس وقد قيل إن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ﴾


الصفحة التالية
Icon