ثم بين سبحانه أن عذابهم غير مقصور على عذاب الدنيا فقال : ٢٧ - ﴿ ثم يوم القيامة يخزيهم ﴾ بإدخالهم النار ويفضحهم بذلك ويهينهم وهو معطوف على مقدر : أي هذا عذابهم في الدنيا ثم يوم القيامة يخزيهم ﴿ ويقول ﴾ لهم مع ذلك توبيخا وتقريعا ﴿ أين شركائي ﴾ كما تزعمون وتدعون قرأ ابن كثير من رواية البزي شركاي من دون همز وقرأ الباقون بالهمز ثم وصف هؤلاء الشركاء بقوله :﴿ الذين كنتم تشاقون فيهم ﴾ قرأ نافع بكسر النون على الإضافة وقرأ الباقون بفتحها : أي تخاصمون الأنبياء والمؤمنين فيهم وعلى قراءة نافع تخاصمونني فيهم وتعادونني : ادعوهم فليدفعوا عنكم هذا العذاب النازل بكم
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله :﴿ لا جرم ﴾ يقول : بلى وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك ﴿ لا جرم ﴾ قال : يعني الحق وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : لا كذب وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فقال رجل : يا رسول الله الرجل يجب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمص الناس ] وفي ذم الكبر ومدح التواضع أحاديث كثيرة وكذلك في إخراج محبة حسن الثوب وحسن النعل ونحو ذلك من الكبر أحاديث كثيرة والحاصل أن النبي صلى الله عليه و سلم قد بين ماهية الكبر أنه بطر الحق وغمص الناس فهذا هو الكبر المذموم وقد ساق صاحب الدر المنثور عند تفسيره لهذه الآية : أعني قوله سبحانه :﴿ إنه لا يحب المستكبرين ﴾ أحاديث كثيرة ليس هذا مقام إيرادها بل المقام مقام ذكر ما له علاقة بتفسير الكتاب العزيز وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ قالوا أساطير الأولين ﴾ أن ناسا من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبي الله صلى الله عليه و سلم فإذا مروا سألوهم فأخبروهم بما سمعوا من النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا إنما هو أساطير الأولين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ ليحملوا أوزارهم ﴾ الآية يقول يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين يضلونهم بغير علم وذلك مثل قوله سبحانه :﴿ وأثقالا مع أثقالهم ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وزاد ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ قد مكر الذين من قبلهم ﴾ قال : نمروذ بن كنعان حين بنى الصرح وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم أنه النمروذ أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ فأتى الله بنيانهم من القواعد ﴾ قال : أتاها أمر الله من أصلها ﴿ فخر عليهم السقف من فوقهم ﴾ والسقف : أعالي البيوت فائتكفت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم ﴿ وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿ تشاقون فيهم ﴾ قال : تخالفوني قوله :﴿ قال الذين أوتوا العلم ﴾ قيل هم العلماء قالوه لأممهم الذين كانوا يعظونهم ولا يلتفتون إلى وعظهم وكان هذا القول منهم على طريق الشماتة وقيل هم الأنبياء وقيل الملائكة والظاهر الأول لأن ذكرهم بوصف العلم يفيد ذلك وإن كان الأنبياء والملائكة هم من أهل العلم بل هم أعرق فيه لكن لهم وصف يذكرون به هو أشرف من هذا الوصف وهو كونهم أنبياء أو كونهم ملائكة ولا يقدح في هذا جواز الإطلاق لأن المراد الاستدلال على الظهور فقط ﴿ إن الخزي اليوم ﴾ أي الذل والهوان والفضيحة يوم القيامة ﴿ والسوء ﴾ أي العذاب ﴿ على الكافرين ﴾ مختص بهم