قوله : ٣٣ - ﴿ هل ينظرون ﴾ الآية هذا جواب شبهة أخرى لمنكري النبوة فإنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه و سلم أن ينزل عليهم ملكا من السماء يشهد على صدقه في ادعاء النبوة فقال : هل ينظرون في تصديق نبوتك ﴿ إلا أن تأتيهم الملائكة ﴾ شاهدين بذلك ويحتمل أن يقال : إنهم لما طعنوا في القرآن بأنه أساطير الأولين أوعدهم الله بقوله :﴿ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ﴾ لقبض أرواحهم ﴿ أو يأتي أمر ربك ﴾ أي عذابه في الدنيا المستأصل لهم أو المراد بأمر الله القيامة وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي وخلف ﴿ إلا أن تأتيهم الملائكة ﴾ بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية والمراد بكونهم ينظرون : أي ينتظرون إتيان الملائكة أو إتيان أمر الله على التفسير الآخر أنهم قد فعلوا فعل من وجب عليه العذاب وصار منتظرا له وليس المراد أنهم ينتظرون ذلك حقيقة فإنهم لا يؤمنون بذلك ولا يصدقونه ﴿ كذلك فعل الذين من قبلهم ﴾ أي مثل فعل هؤلاء من الإصرار على الكفر والتكذيب والاستهزاء فعل الذين خلوا من قبلهم من طوائف الكفار فأتاهم أمر الله فهلكوا ﴿ وما ظلمهم الله ﴾ بتدميرهم بالعذاب فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم ﴿ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ بما ارتكبوه من القبائح وفيه أن ظلمهم مقصور عليهم باعتبار ما إليه يؤول
وجملة ٣٤ - ﴿ فأصابهم سيئات ما عملوا ﴾ معطوفة على فعل الذين من قبلهم وما بينهما اعتراض وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير : كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله والمعنى : فأصابهم جزاء سيئات أعمالهم أو جزاء أعمالهم السيئة ﴿ وحاق بهم ﴾ أي نزل بهم على وجه الإحاطة ﴿ ما كانوا به يستهزئون ﴾ أي العذاب الذي كانوا به يستهزئون أو عقاب استهزائهم
٣٥ - ﴿ وقال الذين أشركوا ﴾ هذا نوع آخر من كفرهم الذي حكاه الله عنهم والمراد بالذين أشركوا هنا أهل مكة ﴿ لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ﴾ أي لو شاء عدم عبادتنا لشيء غيره ما عبدنا ذلك ﴿ نحن ولا آباؤنا ﴾ الذين كانوا على ما نحن عليه الآن من دين الكفر والشرك بالله قال الزجاج : إنهم قالوا هذا على جهة الاستهزاء ولو قالوه عن اعتقاد لكانوا مؤمنين وقد مضى الكلام على مثل هذا في سورة الأنعام ﴿ ولا حرمنا من دونه من شيء ﴾ من السوائب والبحائر ونحوهما ومقصودهم بهذا القول المعلق بالمشيئة الطعن في الرسالة : أي لو كان ما قاله الرسول حقا من المنع من عبادة غير الله والمنع من تحريم ما لم يحرمه الله حاكيا ذلك عن الله لم يقع منا ما يخالف ما أراده منا فإنه قد شاء ذلك وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن فلما وقع منا العبادة لغيره وتحريم ما لم يحرمه كان ذلك دليلا على أن ذلك هو المطابق لمراده والموافق لمشيئته مع أنهم في الحقيقية لا يعترفون بذلك ولا يقرون به لكنهم قصدوا ما ذكرنا من الطعن على الرسل ﴿ كذلك فعل الذين من قبلهم ﴾ من طوائف الكفر فإنهم أشركوا بالله وحرموا ما لم يحرمه وجادلوا رسله بالباطل واستهزأوا بهم ثم قال ﴿ فهل على الرسل ﴾ الذين يرسلهم الله إلى عباده بما شرعه لهم من شرائعه التي رأسها توحيده وترك الشرك به ﴿ إلا البلاغ ﴾ إلى من أرسلوا إليهم بما أمروا بتبليغه بلاغا واضحا يفهمه المرسل إليهم ولا يلتبس عليهم